شارف هذا المقام، وتخطّى خططه؛ خلع ربقة الإيمان من عنقه، ولابس الكفر، وما دام في درجة التّغابي، أو الانهماك؛ فلا يسلب عنه اسم المؤمن؛ لاتصافه بالتّصديق؛ الذي هو مسمّى الإيمان. انتهى. بيضاوي.
تنبيه: توجّه موسى-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-إلى ربه بهذا الكلام، باثّا حزنه إليه تعالى لمّا خالفه قومه، ولم يبق معه موافق يثق به إلا هارون أخوه، والرّجلان المذكوران، وإن كانا يوافقانه، ولكنّه لم يثق بهما؛ لما رأى من فسوق قومه، وعصيانهم لأوامر الله تعالى. وقيل: يجوز أن يراد بأخي من يؤاخيني في الدّين، فيدخلان حينئذ، وشكواه ممزوجة برقة القلب، والأسف الشديد. بمثل ذلك يستجاب الدّعاء، وتستجلب الرّحمة، وتستنزل النّصرة، ولذا غضب الله على بني إسرائيل، وفعل بهم ما تراه في الآية التالية.
الإعراب:{قالَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى (موسى). {رَبِّ:} منادى حذف منه حرف النداء، وانظر ما يجوز فيه من أوجه الإعراب في الآية رقم [٢٠]. {إِنِّي:} حرف مشبه بالفعل، وياء المتكلم اسمه. {لا:} نافية. {أَمْلِكُ:} فعل مضارع، وفاعله مستتر تقديره: أنا، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (إن) والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وجملة:
{قالَ..}. إلخ مستأنفة لا محلّ لها. {إِلاّ:} حرف حصر. {نَفْسِي:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، وياء المتكلم في محلّ جر بالإضافة. {وَأَخِي:} ذكر فيه الجمل نقلا عن السمين ستة أوجه: أظهرها: أنّه منصوب عطفا على: {نَفْسِي}. الثاني: أنّه منصوب عطفا على اسم: (إنّ) وخبره محذوف أيضا، والرابع: أنّه مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف للدلالة المتقدّمة، ويكون قد عطف جملة اسمية غير مؤكدة على جملة اسمية مؤكدة ب:(إنّ). الخامس: أنّه مرفوع عطفا على الضمير المستتر في الفعل قبله، التقدير: ولا يملك أخي إلا نفسه، وجاز ذلك للفصل.
السادس: أنّه مجرور عطفا على ياء المتكلم، وهو جائز على مذهب الكوفيين، وغير جائز على مذهب البصريين للعطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار. انتهى بتصرّف منّي. هذا؛ وقد زاد ابن هشام في شذور الذهب وجوها أخر ضعيفة، أوصلها إلى أحد عشر.
{فَافْرُقْ:} الفاء: هي الفصيحة؛ لأنّها أفصحت عن شرط مقدّر، التقدير: وإذا كان ذلك واقعا منهم؛ فافرق... إلخ. (افرق): فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره: أنت. {بَيْنَنا:} ظرف مكان متعلق بما قبله، و (نا) في محل جر بالإضافة والجملة الفعلية لا محلّ لها على جميع الوجوه المعتبرة بالفاء، والكلام كلّه في محل نصب مقول القول. {وَبَيْنَ:} معطوف على ما قبله، وهو مضاف، و {الْقَوْمِ:} مضاف إليه. {الْفاسِقِينَ:} صفة {الْقَوْمِ} مجرور مثله، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنّه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد.