وإلاّ؛ فهو سبحانه يعاقب المصرّ على كفره، ونفاقه، وعصيانه. {وَكانَ اللهُ:} ويكون، ولا يزال كائنا. {شاكِراً عَلِيماً:} قد قدّم الله الشكر على الإيمان في الآية؛ لأنّ العاقل ينظر إلى ما عليه من النّعمة العظيمة في خلقه، وتعريضه للمنافع، فيشكر شكرا مبهما، فإذا انتهى به النظر إلى معرفة المنعم؛ آمن به، ثمّ شكره شكرا مفصلا، فكان الشكر مقدّما على الإيمان.
هذا؛ والفعل منه يتعدّى بنفسه، وبحرف الجر، تقول: شكرته، و: شكرت له، كما تقول:
نصحته، و: نصحت له، وباللام أفصح. هذا؛ ومن أسماء الله تعالى: الشّكور، ومعناه: هو الذي يجازي على يسير الطّاعات كثير الدّرجات، ويعطي بالعمل في أيام معدودة نعما في الآخرة غير محدودة. وخذ في معنى الشّكر لله ما يلي:
قال سهل بن عبد الله-رحمه الله تعالى-: الشكر هو: الاجتهاد في بذل الطّاعة مع الاجتناب للمعصية في السرّ، والعلانية. وقالت طائفة أخرى: الشّكر: هو الاعتراف في تقصير الشّكر للمنعم، ولذلك قال الله تعالى: {اِعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً،} فقال داود-على نبينا، وعليه ألف صلاة وألف سلام-: كيف أشكرك يا رب، والشّكر نعمة منك علي؟! فقال تعالى: الآن شكرتني، وعرفتني؛ إذ قد عرفت: أنّ الشكر منّي نعمة عليك. وقال موسى-عليه السّلام-:
كيف أشكرك يا رب! وأصغر نعمة وضعتها بيدي من نعمك، لا يجازي بها عملي كلّه؟! فأوحى إليه: يا موسى! الآن شكرتني. وقال ذو النّون المصري-رحمه الله تعالى-: الشكر لمن فوقك بالطّاعة، ولنظيرك بالمكافأة، ولمن دونك بالإحسان، والإفضال.
هذا؛ وشكر الله يستوجب المزيد من النعم، قال تعالى في سورة (إبراهيم) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}. وجحودها يستوجب سلبها، وذهابها، قال تعالى في الآية نفسها رقم [٧]: {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ} لذا قيل:
إنّ الشكر قيد النعمة الموجودة، وبه تنال النعمة المفقودة. وينبغي أن تعلم: أنّ فائدة الشكر، تعود على الشّاكر نفسه، قال تعالى في سورة (النّمل) رقم [٤٠]: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ،} وقال تعالى في سورة (لقمان) رقم [١٢]: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}.
هذا؛ والشّكر مطلوب لكلّ منعم، ومحسن؛ ولو كان من البشر، لذا فقد ندبنا الله ورسوله على أن نشكر من أحسن إلينا من النّاس، لذا قال الله تعالى: {اُشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}.
وعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أعطي عطاء، فوجد؛ فليجز به، فإن لم يجد؛ فليثن، فإنّ من أثنى؛ فقد شكر، ومن كتم؛ فقد كفر، ومن تحلّى بما لم يعط؛ كان كلابس ثوبي زور». أخرجه الترمذيّ.
وعن أسامة بن زيد-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صنع إليه معروف، فقال لفاعله: جزاك الله خيرا؛ فقد أبلغ في الثّناء».