وهذا هو الشاهد رقم [٣٢٦] من كتابنا فتح القريب المجيب فانظره، وما ألحقته به، فإنه جيد، والحمد لله ربّ العالمين.
هذا وقد ندبنا الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى افتتاح جميع أمورنا بالبسملة تيمّنا، وتبرّكا، كالأكل، والشرب، والنّحر، والجماع، والطّهارة، وركوب الدابة، والسيارة، والطيّارة، وغير ذلك من الأفعال، فقد روى الخطيب في كتاب الجامع عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال:«كلّ أمر ذي بال، لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم، فهو أبتر» وفي رواية: «فهو أقطع» والمعنى: قليل البركة، أو معدومها، لذا سمّيت الخطبة التي ألقاها زياد ابن أبيه في العراق: البتراء؛ لأنه لم يبدأها بالبسملة.
بعد هذا ينبغي أن تعلم: أنّ البسملة آية من سورة الفاتحة، وآية من كلّ سورة ما عدا براءة عند الشّافعي، ولا تعدّ آية في كلّ ذلك عند مالك، وأبي حنيفة، وإنّما هي للفصل بين كلّ سورتين، وأحمد بن حنبل يعدّها آية من أول سورة الفاتحة، وليست آية في غيرها، -رضي الله عنهم-أجمعين، واحتجّ الشافعي-رضي الله عنه-بما رواه الدّارقطني من حديث أبي بكر عبد الحميد بن جعفر الحنفي عن نوح بن أبي بلال، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«إذا قرأتم {الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} فاقرءوا: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} إنّها أمّ القرآن، وأمّ الكتاب، والسّبع المثاني». قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم بين أظهرنا؛ إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسّما، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟! قال:«نزلت عليّ آنفا سورة». فقرأ:{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ..}. إلخ، وذكر الحديث، وذكرته بكماله في سورة الكوثر، والحمد لله.
(اسم): اختلفوا في اشتقاقه، فقال البصريّون: أصله: سمو، بضم السين وكسرها، من السّمو، وهو العلوّ، والارتفاع، فاسم الشيء ما علاه؛ حتى ظهر به، وعلا عليه، فكأنه علا على معناه، وصار علما له، فحذفت لامه، وعوض عنها همزة الوصل في أوله، وقال الكوفيون:
أصله: وسم من السّمة، وهي العلامة، فكأنه علامة لمسمّاه، حذفت فاؤه، وعوض عنها همزة الوصل. وحجّة البصريين: أنه لو كان اشتقاقه من السّمة، لكان تصغيره: وسيم، وجمعه:
أوسام؛ لأن التصغير والتكسير يردّان الأشياء إلى أصولها، وقد أجمعوا على أن تصغيره: سميّ، وجمعه: أسماء، وجمع الجمع: أسام، وقد حذفت الألف من {بِسْمِ اللهِ..}. إلخ للخفّة، ولكثرة الاستعمال، وأثبتت في قوله تعالى:{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} لقلّة الاستعمال، هذا و (اسم) أحد الأسماء العشرة التي بنوا أوائلها على السّكون، فإذا نطقوا بها مبتدءين، زادوا همزة الوصل في أولها توصلا للابتداء بالسّاكن، علما بأن هذه الهمزة تسقط في وصل الكلام؛ وإن كتبت، وربما جعلها الشاعر ألف قطع للضّرورة، كقول الأحوص:[الطويل]
وما أنا بالمخسوس في جذم مالك... ولا من تسمّى، ثمّ يلتزم الاسما