للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النّاسِ:} مثّل الله تعالى الّذي يمنّ، ويؤذي بصدقته بالذي ينفق ماله رئاء الناس لا لوجه الله تعالى، وبالكافر الذي ينفق؛ ليقال: جواد، وليثنى عليه بأنواع الثناء، والرّياء: شرك كما صرحت به الأحاديث الشّريفة الكثيرة، وخذ ما يلي:

عن شدّاد بن أوس-رضي الله عنه-: أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من صام يرائي؛ فقد أشرك، ومن صلّى يرائي؛ فقد أشرك، ومن تصدّق يرائي؛ فقد أشرك». رواه البيهقيّ.

وعن محمود بن لبيد-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشّرك الأصغر» قالوا: ما الشرك الأصغر؟ يا رسول الله! قال: «الرّياء، يقول الله عزّ وجلّ إذا جزى النّاس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدّنيا، فانظروا: هل تجدون عندهم جزاء». رواه الإمام أحمد، والبيهقيّ.

وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله تبارك وتعالى:

أنا أغنى الشّركاء عن الشّرك، من عمل عملا أشرك فيه غيري؛ تركته وشركه». أخرجه مسلم.

{وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ} أي: الإيمان الحقيقي. {وَالْيَوْمِ الْآخِرِ:} هو آخر أيام الدّنيا، فيه الحشر، والنشر، والحساب، والجزاء، ودخول أهل الجنّة الجنّة بالفضل الإلهيّ، ودخول أهل النّار النّار بالعدل الربّانيّ.

{فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ:} الصّفوان: الحجر الأملس الكبير، قال الأخفش: وهو جمع، واحده: صفوانة، وقيل: هو اسم جنس كالحجر، وجمعه: صفي، ففيه تشبيه تمثيلي؛ لأنّ وجه الشبه منتزع من متعدّد. {عَلَيْهِ تُرابٌ:} على ذلك الصّفوان تراب يستره، ويغطيه. {فَأَصابَهُ وابِلٌ:} مطر شديد نزل عليه. {فَتَرَكَهُ صَلْداً:} أملس، لا شيء عليه من ذلك التراب، فهذا مثل ضربه الله تعالى لنفقة المنافق، والمرائي، والمنّان بصدقته، يؤذي النّاس بمنّه، وتعييره، فيرى الناس: أن لهؤلاء أعمالا في الظاهر، كما يرى التّراب على الصّفوان، فإذا جاء المطر الشّديد؛ أذهبه، وأزاله، وكذلك حال هؤلاء يوم القيامة، تبطل أعمالهم، وتضمحلّ لأنّها لم تكن لله تعالى، كما أذهب المطر ما على الصّفوان من التّراب. هذا؛ والمطر أوّله رشّ، ثمّ طشّ، ثمّ طلّ، ثم هطل، ثم وابل، ثمّ جود، والوابل: المطر الشديد الغزير، قال النّابغة الذبياني: [الطويل]

فلا زال قبر بين بصرى وجاسم... عليه من الوسميّ جود ووابل

فينبت حوذانا وعوقا منوّرا... سأتبعه من خير ما قال قائل

{لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمّا كَسَبُوا} أي: لا يقدرون على ثواب شيء ممّا عملوا في الدنيا، وواو الجماعة عائدة على المنّان، والمؤذي، والمرائي، وقيل: عائدة على (الّذي)، وجمع الضمير، كما في قوله تعالى: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا} الآية رقم [٦٩] من سورة

<<  <  ج: ص:  >  >>