للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنبيه: في الآية الكريمة التفات من الخطاب إلى الغيبة، كما يكون من الغيبة إلى التكلم، ومنهما إلى الخطاب، ومن المفرد إلى الجمع، وبالعكس، وقد نبهت على ذلك فيما مضى، كما أنبه عليه في محاله إن شاء الله تعالى، وله فوائد كثيرة: منها نظرية الكلام، وصيانة السمع عن الضجر والملال لما جبلت عليه النفوس من حب التنقلات، والسآمة من الاستمرار على منوال واحد، هذه فائدته العامة، ويختص كل موضع بنكت، ولطائف باختلاف محله، كما هو مقرر في علم البديع، ووجهه حثّ السامع، وبعثه على الاستماع حيث أقبل المتكلم عليه، وأعطاه فضل عنايته، وخصصه بالمواجهة.

الإعراب: {قُلْ}: أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت». {أَرَأَيْتُمْ}: الهمزة: حرف استفهام.

(رأيتم): فعل وفاعل، {إِنْ}: حرف شرط جازم. {أَتاكُمْ}: ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، وهو في محل جزم فعل الشرط، والكاف مفعول به، {عَذابُهُ}: فاعله، والهاء في محل جر بالإضافة. {بَياتاً}: ظرف زمان متعلق بالفعل قبله. {نَهاراً}: معطوف على {بَياتاً،} وجملة: {أَتاكُمْ..}. إلخ لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي، وجواب الشرط محذوف، تقديره: تندموا على الاستعجال أو تعرفوا خطأكم، ويجوز أن يكون الجواب الجملة الاستفهامية، وحذفت منه الفاء الرابطة للجواب. {ماذا،} (ما): اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. (ذا): اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الفعلية بعده صلته، وقد حذف العائد؛ إذ التقدير: ما الذي يستعجله... إلخ، هذا؛ ويجوز اعتبار {ماذا،} كله اسما مركبا مبنيا على السكون في محل رفع مبتدأ، والجملة الفعلية بعده في محل رفع خبره، والرابط محذوف، كما رأيت تقديره، والهاء في: {مِنْهُ} عائدة على الوجهين على العذاب، هذا؛ وإن اعتبرت: {ماذا} اسما مركبا مفعولا مقدما للفعل بعده، فهو وجه سائغ، ويكون الضمير في {مِنْهُ} عائدا على الله. و {مِنْهُ} متعلقان بمحذوف حال من الضمير المنصوب الذي رأيت تقديره فيما سبق، أو هو متعلق بالفعل قبله على اعتبار {ماذا} مفعولا مقدما. {الْمُجْرِمُونَ}: فاعل {يَسْتَعْجِلُ} مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وجملة: {أَرَأَيْتُمْ..}. إلخ في محل نصب مقول القول، وجملة: {قُلْ..}. إلخ مستأنفة لا محل لها.

تنبيه: بقي أن تعرف أن الفعل {أَرَأَيْتُمْ} يتعدى إلى مفعولين، وأن الثاني اكثر ما يكون جملة استفهام ينعقد منها مع ما قبلها مبتدأ وخبر، كقول العرب: أرأيت زيدا ما صنع؟ والمعنى:

أخبرني عن زيد ما صنع، إذا تقرر هذا فالمفعول الأول هنا محذوف، ولا يصح أن تقع جملة الشرط موقعه، والمسألة من باب التنازع، تنازع (أرأيتم) و (أتاك). قوله {عَذابُهُ} وإعمال الثاني هو المختار على مذهب البصريين، وهو الذي ورد به السماع أكثر من إعمال الأول، فلما أعمل

<<  <  ج: ص:  >  >>