هذا؛ وجاء في حديث قدسي، يقول الله عزّ وجل:«يا عبادي! ما خلقتكم لأستأنس بكم من وحشة، ولا لأستكثر بكم من قلة، ولا لأعتزّ بكم من ذلة، ولكني خلقتكم لتعبدوني طويلا، وتسبّحوني كثيرا، وتذكروني بكرة وأصيلا». بعد هذا لعلّك تدرك معي: أنه حصل التفات من الخطاب في الايات السابقة إلى التكلم في هذه الايات، ثم منه إلى الغيبة في الاية الأخيرة.
وللالتفات فوائد كثيرة: منها تطرية الكلام، وصيانة السمع عن الضجر، والملال، لما جبلت عليه النفوس من حب التنقلات، والسآمة من الاستمرار على منوال واحد، هذه فوائده العامة، ويختص كل موضع بنكت، ولطائف باختلاف محلّه، كما هو مقرر في علم البديع، ووجهه: حثّ السامع، وبعثه على الاستماع، حيث أقبل المتكلم عليه، وأعطاه فضل عنايته، وخصّصه بالمواجهة.
الإعراب:{وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما): نافية. {خَلَقْتُ:} فعل، وفاعل. {الْجِنَّ:}
مفعول به، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محلّ لها. {وَالْإِنْسَ:} معطوف على ما قبله. {إِلاّ:}
حرف حصر. {لِيَعْبُدُونِ:} مضارع منصوب ب: «أن» مضمرة بعد لام العاقبة، وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والنون للوقاية، وياء المتكلم المحذوفة مفعول به، و «أن» المضمرة، والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بالفعل:{خَلَقْتُ}. {ما:} نافية. {أُرِيدُ:} مضارع، والفاعل مستتر تقديره:«أنا»، والجملة الفعلية في محل نصب حال من تاء الفاعل، والرابط: الضمير فقط. {مِنْهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {مِنْ:} حرف جر صلة. {رِزْقٍ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. {وَما:}
الواو: حرف عطف. (ما): نافية. {أُرِيدُ:} مضارع، وفاعله تقديره:«أنا». {أَنْ:} حرف مصدري، ونصب. {يُطْعِمُونِ:} فعل مضارع منصوب ب: «أن»، وعلامة نصبه حذف النون، والواو فاعله، والنون للوقاية، وياء المتكلم المحذوفة مفعول به، و {أَنْ} والمضارع في تأويل مصدر في محل نصب مفعول به، والجملة الفعلية:(ما أريد...) إلخ معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب حال مثلها. {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {اللهَ:} اسمها. {هُوَ:} ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {الرَّزّاقُ:} خبره. {ذُو:} خبر ثان مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه من الأسماء الخمسة. و {ذُو:} مضاف، و {الْقُوَّةِ:} مضاف إليه، والجملة الاسمية في محل رفع خبر:{إِنَّ،} والجملة الاسمية: {إِنَّ..}. إلخ، مستأنفة، لا محلّ لها. {الْمَتِينُ:} برفعه وفيه أوجه: إما النعت ل: {الرَّزّاقُ،} وإما النعت ل: {ذُو} وإما النعت لاسم {إِنَّ} على الموضع، وهو مذهب الجرمي، والفراء، وغيرهما، وإما خبر بعد خبر، وإما خبر مبتدأ مضمر وعلى كل تقدير فهو تأكيد؛ لأن {ذُو الْقُوَّةِ} يفيد فائدته. وقرئ بالجر على أنه صفة ل:{الْقُوَّةِ،} وإنما ذكر وصفها لكون تأنيثها غير حقيقي. انتهى. جمل. نقلا.