متذلل للمشيئة، لا يملك أحد لنفسه خروجا عما خلق له. وقيل: معناه: إلا ليوحّدوني، فأما المؤمن؛ فيوحده اختيارا في الشدّة والرخاء، وأما الكافر؛ فيوحده اضطرارا في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء. انتهى. خازن بحروفه.
وقال سليمان الجمل: إن معنى {إِلاّ لِيَعْبُدُونِ} أي: إلا مهيئين، ومستعدين ليعبدون، بأن خلقت فيهم العقل، والحواس، والقدرة، التي تتحصل بها العبادة، وهذا لا ينافي تخلف العبادة بالفعل من بعضهم؛ لأن هذا البعض، وإن لم يعبد الله، لكن فيه التهيؤ، والاستعداد الذي هو الغاية بالحقيقة. انتهى. نقلا عن شيخه.
{ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ} أي: ما أريد منهم أن يرزقوا أحدا من خلقي، ولا أن يرزقوا أنفسهم؛ لأني أنا الرزاق، المتكفل لعبادي بالرزق القائم لكل نفس بما يقيمها من قوتها. {وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} أي: أن يطعموا أحدا من خلقي، وإنما أسند الإطعام إلى نفسه؛ لأنّ الخلق كلّهم عيال الله. أو من أطعم عيال أحد؛ فقد أطعمه. لما صحّ من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يقول الله عزّ وجل يوم القيامة: «يا بن آدم مرضت، فلم تعدني! قال: يا رب كيف أعودك؛ وأنت ربّ العالمين؟! قال: أما علمت: أن عبدي فلانا مرض، فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته؛ لوجدتني عنده؟! يا بن آدم استطعمتك، فلم تطعمني! قال: يا رب كيف أطعمك؛ وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت: أنه استطعمك عبدي فلان، فلم تطعمه؟! أما علمت أنك لو أطعمته؛ لوجدت ذلك عندي؟! يا بن آدم استسقيتك فلم تسقني! قال: يا رب كيف أسقيك؛ وأنت ربّ العالمين؟! قال: أما علمت: أنه استسقاك عبدي فلان، فلم تسقه؟! أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي». أخرجه مسلم.
{إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزّاقُ:} الذي يرزق كل ما يفتقر إلى الرزق: من إنسان، أو حيوان، أو هوام... إلخ، قال تعالى في سورة (هود) رقم [٦]: {*وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ}. وقال تعالى في سورة (العنكبوت) رقم [٦٠]:
{وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} وفي الكشاف: يريد إن شأني مع عبادي: ليس كشأن السادة مع عبيدهم، فإن ملاك العبيد إنما يملكونهم؛ ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم، وأرزاقهم، فإما مجهز في تجارة؛ ليفيء ربحا، أو مرتب في فلاحة؛ ليغتل أرضا، أو مسلم في حرفة لينتفع بأجرته، أو محتطب، أو محتش، أو مستق، أو طابخ، أو خابز، وما أشبه ذلك من الأعمال، والمهن؛ التي هي تصرف في أسباب المعيشة، وأبواب الرزق، فأما مالك ملك العبيد، فقد قال لهم: اشتغلوا بما يسعدكم في أنفسكم، ولا أريد أن أصرفكم في تحصيل رزقي، ولا رزقكم، وأنا غني عنكم، وعن مرافقكم، ومتفضل عليكم برزقكم، وبما يصلحكم، ويعيشكم من عندي، فما هو إلا أنا وحدي. انتهى. بحروفه.