الشمول، وهذا يسمّى في البلاغة بالإطناب، والمعنى: يعلمكم أمورا لا تعلمونها بعقولكم، ولا تصل إليها أفهامكم، وذلك بأخبار الأمم الماضية، وقصص الأنبياء، وأخبار الحوادث المستقبلة، بالإضافة إلى الأمور التشريعية؛ التي لم تكن موجودة في الديانات السابقة ولا علم لكم بها. هذا؛ ومعنى الآية الكريمة: أن الله تعالى يذكّر عباده المؤمنين بما أنعم به عليهم من بعثة الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم، فهو يقرأ عليهم آيات القرآن البينات، ويزكيهم؛ أي: يطهرهم من رذائل الأخلاق، ودنس النفوس، وأفعال الجاهلية، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ويعلمهم الكتاب، وهو القرآن، والحكمة، وهي السنة المطهرة وغير ذلك مما ذكرته سابقا، ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون، فكانوا في الجاهلية الجهلاء يسفهون بالقول العقلاء، والحكماء، فانتقلوا ببركة رسالته، وبمنّ دعوته إلى حال الأولياء، وسجايا العلماء، فصاروا أعمق الناس علما، وأبرّهم قلوبا، وأطهرهم نفوسا، وأصدقهم حجة، وقد قال تعالى في سورة (آل عمران) رقم [١٦٤]: {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}. وقال تعالى في سورة الجمعة رقم [٢]: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.
الإعراب:{كَما:} الكاف: حرف تشبيه وجر. (ما): مصدرية. {أَرْسَلْنا:} فعل، وفاعل.
{فِيكُمْ:} صفة {رَسُولاً} و (ما) المصدرية، والفعل {أَرْسَلْنا} في تأويل مصدر في محل جر بالكاف، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف، عامله الفعل:(أتمّ) في الآية السابقة، وتقدير الكلام: لأتمّ نعمتي عليكم إتماما كائنا مثل إرسالنا فيكم رسولا. هذا؛ وجوز البيضاوي، والنّسفي تبعا للزمخشري تعليق الجار والمجرور بالآية التالية؛ أي: فاذكروني كما ذكرتكم بإرسال رسول... إلخ، والأول قاله الفرّاء، واستحسنه ابن عطيّة. والثاني اختاره الزجّاج. وقال القرطبيّ: وهو اختيار الترمذيّ الحكيم في كتابه... إلخ، كما أجيز تعليقهما بمحذوف حال من الكاف، والميم، والمعنى: ولأتمّ نعمتي عليكم في هذه الحال.
{يَتْلُوا:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدّرة على الواو للثقل، والفاعل يعود إلى {رَسُولاً} والجملة الفعلية في محل نصب صفة: {رَسُولاً،} أو في محل نصب حال منه بعد وصفه بما تقدّم، والجمل بعدها معطوفة عليها على الاعتبارين فيها، {عَلَيْكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {آياتِنا:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، و (نا): ضمير متصل في محل جر بالإضافة. ({يُزَكِّيكُمْ}): فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل يعود إلى رسولا، والكاف مفعول به، ({يُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ}): مضارع، ومفعولاه، والفاعل يعود إلى رسولا أيضا. {وَالْحِكْمَةَ:} معطوف على ما قبله. ({يُعَلِّمُكُمُ}): مضارع ومفعوله الأول، والفاعل يعود إلى:{رَسُولاً.}. {ما:}