للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} أي: من فوّض إليه أمره، واعتمد عليه في جميع أحواله، وشؤونه مع العمل بطاعته، واجتناب معاصيه؛ فله فيما يعطيه في الاخرة من ثوابه كفاية، وفي الدنيا وقاية من الهموم، والأحزان. وهذا لا ينفي أن يصاب المؤمن في الدنيا بشيء من البلاء، بل قد يصاب أكثر من الفاسدين المفسدين؛ الذين يمهلهم الله، ويمدهم في الدنيا استدراجا لهم. وانظر ما ذكرته في سورة (الحديد) رقم [٢٢] في هذا الصدد؛ تجد ما يسرك، ويثلج صدرك، وخذ ما يلي:

فعن أبي ذر الغفاري-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إني لأعلم آية لو أخذ بها الناس، لكفتهم، ثم تلا: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ..}. إلخ». فما زال يكررها، ويعيدها. وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-قرأ النبي صلّى الله عليه وسلّم: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ..}. إلخ». قال: «مخرجا من شبهات الدنيا، ومن غمرات الموت، ومن شدائد يوم القيامة». انتهى. قرطبي. وانظر التوكل في سورة (المجادلة) رقم [١٠].

وعن ابن مسعود-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نزل به حاجة، فأنزلها بالناس؛ كان قمنا ألاّ تسهل حاجته، ومن أنزلها بالله تعالى؛ أتاه الله برزق عاجل، أو بموت آجل». أخرجه الإمام أحمد.

{إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ:} يبلغ ما يريده، ولا يفوته مراد، ولا يعجزه مطلوب. وقضاؤه، وأمره نافذ فيمن توكل عليه، وفيمن لم يتوكل عليه؛ إلا أن من توكل عليه؛ فيكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجرا. عزّى الإمام علي-رضي الله عنه-الأشعث بن قيس في ابن شاب توفي بقوله: يا أشعث! إن صبرت؛ جرى عليك القدر، وأنت مأجور، وإن لم تصبر جرى عليك القدر، وأنت مأزور.

هذا؛ وقال الربيع بن خثيم: إن الله قضى على نفسه: أن من توكل عليه كفاه، ومن آمن به هداه، ومن أقرضه جازاه، ومن وثق به نجاه، ومن دعاه أجاب له، وتصديق ذلك في كتاب الله:

{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} سورة (التغابن) رقم [١١]، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ،} {إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ} سورة (التغابن) [١٧]، {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} سورة (آل عمران) [١٠١]، {وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ}. هذا؛ ومعنى {فَهُوَ حَسْبُهُ} فهو كافيه. ومثله في سورة (المجادلة) رقم [٨]: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ،} ومثلها في سورة (التوبة) رقم [٦٨] و [١٢٩] وكثير في القرآن مثل ذلك.

{قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً:} تقديرا، وتوقيتا لكل شيء من الخير، والشر، والشدة، والرخاء فلكل شيء أجل ينتهي إليه لا يتعداه. وهذا بيان لوجوب التوكل على الله، وتفويض الأمر إليه؛ لأنه إذا علم كل شيء من الرزق ونحوه، لا يكون إلا بتقديره، وتوفيقه لم يبق إلا التسليم للقدر، والتوكل على الله.

الإعراب: {وَيَرْزُقْهُ:} (الواو): حرف عطف. (يرزقه): فعل مضارع معطوف على جواب الشرط مجزوم مثله. ويجوز في العربية نصبه ورفعه، كما رأيت في الاية رقم [٩] من سورة

<<  <  ج: ص:  >  >>