وسبعين ألف حبل، وذكر الله في سورة (الأعراف) قوله: {فَلَمّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} وذلك أنهم ألقوا حبالا غلاظا، وخشبا طوالا، فإذا هي حيات كأمثال الجبال قد ملأت الوادي، يركب بعضها بعضا، وقد قال الله تعالى في سورة (طه): {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى} وهذه الخيفة لم تحصل له لأجل سحرهم؛ لأنه كان على ثقة، ويقين: أنهم لن يغلبوه، وإنما كان خوفه أن يتفرق الناس خوفا مما رأوا قبل ظهور معجزته، وحجته، وما فعله السحرة إنما كان من باب التمويه، والتخييل، كما قال تعالى:{فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى}.
{وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ:} قال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: أقسموا بعزة فرعون، وهي من أيمان الجاهلية، وهكذا كل حلف بغير الله، ولا يصح في الإسلام إلا الحلف بالله معلقا ببعض أسمائه، أو صفاته، كقولك: بالله، والرحمن، وربي، ورب العرش، وعزة الله، وقدرة الله، وجلال الله، وعظمة الله. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«لا تحلفوا بآبائكم، ولا بأمّهاتكم، ولا بالطّواغيت، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا بالله إلاّ وأنتم صادقون». ولقد استحدث الناس في هذا الباب في إسلامهم، جاهلية نسبت لها الجاهلية الأولى، وذلك أن الواحد منهم لو أقسم بأسماء الله كلها وصفاته على شيء لم يقبل منه، ولم يعتد بها حتى يقسم برأس سلطانه، فإذا أقسم به، فتلك عندهم جهد اليمين، التي ليس وراءها حلف لحالف. انتهى. كشاف.
أقول: وأبشع شيء عند المسلمين في هذه الأيام هو الحلف بالطلاق، الذي هو دليل الفسق، والنفاق، وضعف العقيدة على الإطلاق، وما كره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا كراهيته للفظ الطلاق، فقد سمع صلّى الله عليه وسلّم رجلا يحلف بالطلاق، فقام مغضبا من مجلسه، وظهرت الكراهية في وجهه، وقال:«ألعبا بدين الله وأنا فيكم، أتلعبون بدين الله وأنا بينكم؟ من كان حالفا فليحلف بالله، أو ليصمت». بل إنه صلّى الله عليه وسلّم جعل الحالف بالطلاق في درجة المنافقين والفساق، وقال:«لا يحلف بالطّلاق إلاّ فاسق، ولا يرضى به إلاّ منافق».
الإعراب:{فَأَلْقَوْا:} الفاء: حرف عطف. (ألقوا): فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع واو الجماعة التي هي فاعله، والألف للتفريق. {حِبالَهُمْ:} مفعول به.
{وَعِصِيَّهُمْ:} معطوف عليه، والهاء فيهما ضمير متصل في محل جر بالإضافة، والميم علامة جمع الذكور، وجملة:{فَأَلْقَوْا..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {وَقالُوا:} الواو:
حرف عطف. (قالوا): فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق. {بِعِزَّةِ:} جار ومجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: نقسم، و (عزة) مضاف، و {فِرْعَوْنَ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية، والعجمة. {إِنّا:} حرف مشبه بالفعل، و (نا): ضمير متصل في محل نصب اسمها، حذفت نونها، وبقيت الألف دليلا عليها. {لَنَحْنُ:} اللام: هي المزحلقة. (نحن): ضمير فصل لا محل له من الإعراب.