للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصحيح المتقدم مصرح بإثباته، ولا يستنكر في العقل: أن الله تعالى يخرق العادة عند النطق بكلام ملفق، أو تركيب أجسام، أو المزج بين قوى؛ لا يعرفها إلا الساحر، وأنه لا فاعل إلا الله تعالى، وما يقع من ذلك فهو عادة أجراها الله تعالى على يد من يشاء من عباده. انتهى. خازن.

فإن قلت: المستعاذ منه هل هو بقضاء الله وقدره، أم لا؟ فإن كان بقضاء الله، وقدره؛ فكيف يأمر بالاستعاذة، مع أن ما قدر لا بد واقع؟ وإن لم يكن بقضاء الله، وقدره، فذلك قدح في القدرة.

قلت: كل ما وقع في الوجود، هو بقضاء الله، وقدره، والاستشفاء بالتعوذ، والرقى من قضاء الله وقدره، يدل على صحة ذلك ما روى الترمذي عن ابن خزامة، عن أبيه قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: يا رسول الله! أرأيت رقى نسترقي بها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئا. قال: «هي من قدر الله تعالى». قال الترمذي: هذا حديث حسن.

وروي عن عمر-رضي الله عنه-قوله: «نفرّ من قدر الله إلى قدر الله تعالى». انتهى. خازن.

يتلخص مما تقدم: أن السحر له حقيقة، ولا يلتفت لما قاله بعض المبتدعة من أنه لا حقيقة له.

هذا؛ وأما الرقى، والتعاويذ؛ فقد اتفق الإجماع على جواز ذلك إذا كان بآيات القرآن، أو إذا كانت وردت في الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، منها حديث أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-المتقدم، وأن جبريل عليه السّلام رقى النبي صلّى الله عليه وسلّم. ومنها ما روي عن عبيد بن رفاعة الزرقي أن أسماء بنت عميس-رضي الله عنها-. قالت: يا رسول الله! إن ولد جعفر تسرع إليهم العين، فأسترقي لهم؟ قال: «نعم، فإنه لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين». أخرجه الترمذي. وقال: حديث صحيح. وعن أبي سعيد-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يتعوذ، ويقول: «أعوذ بالله من الجان، وعين الإنسان». فلمّا نزلت المعوذتان؛ أخذ بهما وترك ما سواهما. أخرجه الترمذي. وقال: حديث حسن غريب. ومنها رقية أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-رئيس الحي الذي لدغ، وحديثه صحيح مشهور. فهذه الأحاديث تدلّ جواز الرقية، وإنما المنهي عنه منها ما كان فيه كفر، أو شرك، أو ما لا يعرف معناه مما ليس بعربي، لجواز أن يكون فيه كفر، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه. انتهى. خازن بتصرف.

تنبيه: وقد بين الواقدي السنة التي وقع فيها السحر، كما أخرجه عنه ابن سعد بسند له إلى عمر بن الحكم مرسل. قال: لما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الحديبية في ذي الحجة، ودخل المحرم سنة سبع، وفرغ من وقعة خيبر؛ جاءت رؤساء اليهود إلى لبيد بن الأعصم، وكان حليفا في بني زريق، وكان ساحرا، فقالوا: أنت أسحرنا؛ أي: أعلمنا بالسحر، وقد سحرنا محمدا، فلم يؤثر فيه سحرنا، ونحن نجعل لك جعلا على أن تسحره لنا سحرا يؤثر فيه، فجعلوا له ثلاثة دنانير. انتهى. جمل نقلا من المواهب. واختلف في مدة سحره صلّى الله عليه وسلّم، وأعتمد: أنها كانت أربعين يوما فقط.

<<  <  ج: ص:  >  >>