للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما فيه من تغير الحال، وتبدل وحشة الليل بسرور النهار، ومحاكاة فاتحة يوم القيامة، والإشعار بأن من قدر أن يزيل ظلمة الليل عن هذا العالم؛ قدر أن يزيل عن العائذ ما يخافه. انتهى.

{مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ:} قيل: يريد به إبليس خاصة؛ لأنه لم يخلق خلقا هو شر منه؛ لأن السحر لا يتم إلا به، وبأعوانه، وجنوده. وقيل: من شر كل ذي شر. وقيل: من شر ما خلق من الجن، والإنس، وقال النسفي: وقرأ أبو حنيفة بتنوين «(شرّ)»، فقال مكي: ومن قرأ بالتنوين؛ فقد ألحد وغيّر اللفظ، والمعنى. انظر الإعراب.

{وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ:} الغاسق: الليل إذا اعتكر ظلامه. ووقوبه: دخول ظلامه في كل شيء. قال تعالى في سورة (الإسراء) رقم [٧٨]: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ}.

يقال: غسق الليل، يغسق؛ أي: أظلم. قال عبد الله بن قيس الرقيات: [المديد]

إن هذا الليل قد غسقا... واشتكيت الهمّ والأرقا

وقال آخر: [البسيط]

يا طيف هند لقد أبقيت لي أرقا... إذ جئتنا طارقا والليل قد غسقا

هذا قول ابن عباس-رضي الله عنهما-وغيره، وعلى هذا التفسير، فيكون معنى {وَقَبَ:}

نزل، يقال: وقب العذاب على الكافرين: نزل. قال الشاعر: [الكامل]

وقب العذاب عليهم فكأنهم... لحقتهم نار السموم فأحصدوا

وقيل: الغاسق: القمر، فعن عائشة-رضي الله عنها-. قالت: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نظر إلى القمر، فقال: «يا عائشة! استعيذي بالله من شر هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب». أخرجه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح، فعلى هذا الحديث المراد به: القمر إذا خسف، واسود، ومعنى {وَقَبَ:} دخل في الخسوف، أو أخذ في الغيبوبة. وقيل: سمي به؛ لأنه إذا خسف؛ اسود، وذهب ضوءه. قال الزجاج: قيل الليل غاسق؛ لأنه أبرد من النهار، والغاسق البارد، والغسق: البرد، ولأن السباع تخرج في الليل من آجامها، والهوام من أماكنها، وينبعث أهل الشر على العبث، والفساد. وقيل: الغاسق الثريا. وقيل: الحيّة. وقيل: الشمس إذا غربت.

وقيل الغاسق: كل هاجم يضر، كائنا ما كان، من قولهم: غسقت القرحة: إذا جرى صديدها.

والمعتمد الأول، ثم الثاني. هذا؛ ويقال: غسق الجرح، يغسق غسقا: إذا خرج منه ماء أصفر.

قال الشاعر: [الطويل]

إذا ما تذكّرت الحياة وطيبها... إليّ جرى دمع من الليل غاسق

{وَمِنْ شَرِّ النَّفّاثاتِ فِي الْعُقَدِ:} يعني الساحرات اللاتي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها. قال الشاعر: [المتقارب]

<<  <  ج: ص:  >  >>