للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «البيّنة، أواحدّ في ظهرك!». قال: يا رسول الله! إذا رأى أحدنا رجلا على امرأته يلتمس البينة، فجعل النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «البيّنة، أواحدّ في ظهرك». فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلنّ الله في أمري ما يبرئ ظهري من الحد، فنزلت الآية الكريمة، وما بعدها.

وقيل: لما نزلت الآية المتقدمة في الذين يرمون المحصنات، وتناول ظاهرها الأزواج، وغيرهم؛ قال سعد بن معاذ-رضي الله عنه-: يا رسول الله! إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة؟! والله لأضربنه بالسيف غير مصفح عنه! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه، والله أغير مني». انتهى. قرطبي.

وعن ابن عباس قال: لما نزلت: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ..}. إلخ قال سعد بن عبادة-رضي الله عنه-: لو أتيت لكاع، وقد تفخذها رجل، لم يكن لي أن أهيجه حتى آتي بأربعة شهداء؟! فو الله ما كنت لآتي بأربعة شهداء حتى يفرغ حاجته ويذهب، وإن قلت ما رأيت إن في ظهري لثمانين جلدة! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر الأنصار، ألا تسمعون ما يقول سيدكم». قالوا: لا تلمه، فإنه رجل غيور، ما تزوج امرأة قط إلا بكرا، ولا طلق امرأة، واجترأ رجل منا أن يتزوجها.

فقال سعد-رضي الله عنه-: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، والله إني لأعرف: أنها من الله، وأنها حق، ولكن عجبت من ذلك لما أخبر الله! فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فإن الله يأبى إلا ذلك». فقال:

صدق الله ورسوله، قال: فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى جاء ابن عم له، يقال له: هلال بن أمية من حديقة له، فرأى رجلا مع امرأته يزني بها، فأمسك حتى أصبح، فلما أصبح غدا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وذكر له ما تقدم... إلخ. انتهى. خازن.

رضي الله عن السعدين، فلا يستغرب منهما غيرتهما، وحميتهما، فإنهما سيدا قومهما، الأول -سيد الأوس بلا منازع-والثاني-سيد الخزرج بلا مكابر-والأول هو الذي اهتز عرش الرحمن لموته، وشيعته ملائكة السماء. هذا؛ ويروى أن عويمر بن زيد بن الجد بن العجلاني قذف زوجته أيضا، وقد اختلف في المقذوف، فإن كان شريكا هو المقذوف في الروايتين فالواقعة واحدة، وقد اختلف فبعضهم يرجح: أنها حادثة هلال، وبعضهم يرجح: أنها واقعة عويمر، وإن كان المقذوف متعددا، فهما حادثتان، ولم يذكر أحد مقذوفا غير شريك، والله أعلم بذلك.

وكانت هذه القصة في شهر شعبان سنة تسع من الهجرة، منصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من تبوك إلى المدينة. قاله الطبري، وروى الدّارقطنيّ عن عبد الله بن جعفر-رضي الله عنهما-قال:

حضرت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين لا عن بين عويمر العجلاني وامرأته، مرجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غزوة تبوك، وأنكر حملها الذي في بطنها، وقال: هو لابن السحماء، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هات امرأتك، فقد نزل القرآن فيكما». فلاعن بينهما بعد العصر عند المنبر.

بيان حكم الآية: أنّ الرجل إذا قذف امرأته، فموجبه موجب قذف الأجنبية في وجوب الحد عليه إن كانت محصنة، أو التعزير إن كانت غير محصنة، غير أن المخرج منهما مختلف، فإذا

<<  <  ج: ص:  >  >>