وتشبث به عبد الله بن أبي أخزاه الله، وفي ذلك أنزل الله عز وجل قوله:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ} إلى قوله: {فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ} رقم [٥١] إلى [٥٦] من سورة (المائدة). فجمعهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال لهم:«يا معشر اليهود! احذروا من الله، مثل ما نزل بقريش من النقمة ببدر، وأسلموا، فإنكم قد عرفتم: أني مرسل، تجدون ذلك في كتابكم، وعهد الله تعالى إليكم به!». قالوا: يا محمد تظننا أنا مثل قومك، ولا يغرنك أنك لقيت قوما، لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة، إنا والله لو حاربناك؛ لتعلمن أنا نحن الناس؛ أي: لأنهم كانوا أشجع اليهود، وأكثرهم أموالا، وأشدهم بغيا، وأنزل الله تعالى فيهم قوله في سورة (آل عمران): {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٢) قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا}. ونزل قوله تعالى:{وَإِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ} الاية رقم [٥٨] من سورة (الأنفال) ثم إن القوم تحصنوا في حصونهم، فسار إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وحاصرهم خمس عشرة ليلة أشد الحصار، وكان خروجه في نصف شوال، فقذف الله في قلوبهم الرعب، وكانوا أربعمئة حاسر، وثلاثمئة دارع، فسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يخلي سبيلهم، وأن يخرجوا من المدينة، وأن لهم النساء، والذرية، وأن يتركوا الأموال للنبي صلّى الله عليه وسلّم، ومنها السلاح، ولم يكن لهم نخيل، فصالحهم على ذلك. وقيل: إنهم نزلوا على أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأمر بهم أن يكتّفوا، فكتّفوا، فأراد قتلهم، فكلمه فيهم عبد الله بن أبي، وألح عليه، فقال:
يا محمد أحسن إلى مواليّ، فأعرض عنه صلّى الله عليه وسلّم، فأدخل يده في جيب درعه من خلفه، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«ويحك أرسلني!». وغضب؛ حتى رأوا لوجهه سمرة لشدة غضبه، ثم قال:
«ويحك أرسلني!». فقال: والله لا أرسلك حتى تحسن في مواليّ، فإنهم أعزتي، وأنا امرؤ أخشى الدوائر، أربعمئة حاسر، وثلاثمئة دارع، وقد منعوني من الأحمر، والأسود وتحصدهم في غداة واحدة! فقال صلّى الله عليه وسلّم:«خلوهم! لعنهم الله، ولعنه معهم!». وتركهم من القتل، وقال له:
«خذهم، لا بارك الله لك فيهم!». وإلى ذلك أشار الله عز وجل بقوله:{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ} الاية رقم [٥٢] من سورة (المائدة)، ثم أمر بهم النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يجلوا، ووكل بإجلائهم عبادة بن الصامت-رضي الله عنه-فذهبوا إلى أذرعات في بلاد الشام، ولم يدر الحول عليهم حتى هلكوا جميعا بدعوته صلّى الله عليه وسلّم، في قوله لابن أبيّ:«لا بارك الله لك فيهم». ووجد النبي صلّى الله عليه وسلّم في منازلهم سلاحا كثيرا، وأموالا، وهذا مما أفاء الله على نبيه صلّى الله عليه وسلّم.
الإعراب:{أَلَمْ:}(الهمزة): حرف استفهام وتقرير. (لم): حرف نفي، وقلب، وجزم.
{تَرَ:} فعل مضارع مجزوم بلم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وهو الألف، والفتحة قبلها دليل عليها، والفاعل مستتر تقديره:«أنت». {إِلَى الَّذِينَ:} متعلقان بما قبلهما، وهما في محل نصب مفعول به، وجملة:{نافَقُوا} صلة الموصول، لا محل لها، والخطاب في الاية للنبي صلّى الله عليه وسلّم، ولكل واحد له حظ في الخطاب، ويتأتى منه النظر، والاعتبار.