قال تعالى في سورة (الحجّ): {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ}. هذا؛ وقال السّدّي-رحمه الله تعالى-: المراد بالبروج، بروج في السماء الدّنيا مبنية. وحكى هذا القول مكيّ عن الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: أنّه قال: ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ} و {جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً} و {وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً} الأولى في سورة (البروج)، والثانية في سورة (الفرقان)، والثالثة في سورة (الحجر). انظر شرح هذه الآيات في محالّها؛ فإنّه جيد، والحمد لله!.
وهذه الآية تردّ على القدرية في الآجال، فعرّفهم الله بذلك: أنّ الآجال متى انقضت؛ فلا بدّ من مفارقة الرّوح الجسد، سواء أكان بذلك بقتل، أو بموت، حسب ما قدّر الله زهوقها بها، وقالت المعتزلة: إنّ المقتول لو لم يقتل؛ لعاش، فردّ عليهم اللّقاني في جوهرته بقوله:[الرجز]
وميّت بعمره من يقتل... وغير هذا باطل لا يقبل
{وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ..}. إلخ: نزلت في المنافقين، واليهود، وذلك: أنّ المدينة كانت ذات خير، وأرزاق ونعم عند مقدم النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا ظهر نفاق المنافقين، وعناد اليهود اللّؤماء؛ أمسك الله عنهم بعض الإمساك، فقال المنافقون، واليهود: ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا، ومزارعنا منذ قدم علينا هذا الرّجل، وأصحابه، فقال الله تعالى:{وَإِنْ تُصِبْهُمْ} أي: المنافقين، واليهود. {حَسَنَةٌ} أي: خصب في الثمار، ورخص في الأسعار، ونماء في الزروع، والأولاد، وغير ذلك من وجوه الخير. {يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ} أي: من قبل الله. {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} أي: قحط، وجدب، ونقص في الزّروع، والثمار، أو موت أولاد، أو نتاج، وغير ذلك ممّا يكرهونه. {يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} يا محمد! أي: بسببك يا محمد! فهم ينسبون الشرّ إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تشاؤما به. وقد حصل التفات من الخطاب إلى الغيبة، انظر الالتفات في الآية [٦٤].
{قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ} يعني: الحسنة والخير من: خصب، ونصر، وعزّ، وصحّة، وعافية، والسيئة من: هزيمة، وقتل، وموت، ونحو ذلك، فالحسنة فضل، وإنعام من الله، وأمّا السيئة؛ فابتلاء، واختبار منه تعالى. ثمّ قال تعالى منكرا على هؤلاء القائلين هذه المقالة الصّادرة عن شكّ، وريب، وقلّة فهم وعلم، وكثرة جهل وظلم:{فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ..}. إلخ؛ أي: لا يفهمون معاني القرآن، وأنّ الأشياء كلّها من الله، عزّ، وجل، خيرها، وشرها.
هذا؛ و (يكاد): يقرب، يقال: كاد يفعل، ولم يفعل، فهو فعل يدلّ على وقوع مقاربة الفعل بعدها، ولذا لم تدخل عليه «أن» لأنّها تخلص الفعل للاستقبال، وإذا دخل عليها حرف نفي، كما في هذه الآية؛ دلّ على أنّ الفعل بعدها وقع، وإذا لم يدخل عليها حرف نفي؛ لم يكن الفعل بعدها واقعا، ولكنّه قارب الوقوع. والفعل واوي العين، ف «كاد» أصله: كود، فتحرّكت الواو، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، ويكاد وزنه: يكود، كيعلم، فنقلت فتحة الواو إلى الساكن قبلها؛ لأنّ الحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلّة، ثمّ يقال: تحركت الواو بحسب