الأصل، وانفتح ما قبلها الآن، فقلبت ألفا، فصار: يكاد بوزن: يخاف، ومصدره: الكود، وهذا في «كاد» الناقصة، وأمّا «كاد» التّامة فهي يائية العين المفتوحة في الماضي كباع، المكسورة العين في المضارع كيبيع، ومصدره: الكيد، كالبيع، فهو من الباب الثاني، بخلاف الناقص فإنّه من الباب الرّابع، ولذا جاء المضارع في القرآن مختلفا، فمن الأوّل قوله تعالى في سورة (النور) رقم [٣٥]: {يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ} ومن الثاني قوله تعالى في سورة (يوسف): {فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً} ومعنى الأول: المقاربة. ومعنى الثاني: المكر، والأول ناقص التصرف، ويحتاج إلى مرفوع، ومنصوب، والثاني تامّ التصرف، ويكتفي بالفاعل، وينصب المفعول به.
فائدة: قد تأتي «كاد» بمعنى: أراد، قال محبّ الدين الخطيب، شارح شواهد الكشّاف، وجعل منه قول الراقدة الأودي: [البسيط]
والبيت لا يبتنى إلاّ بأعمدة... ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
فإن تجمّع أسباب وأعمدة... وساكن بلغوا الأمر الّذي كادوا
أي: الذي أرادوا، ومنه قول الآخر: [البسيط]
كدنا وكدت وتلك خير إرادة... لو عاد من زمن الصّبابة ما مضى
أي: أردنا، وأردت، دليله: «خير إرادة». هذا؛ وقد شاع على الألسن أن نفي كاد إثبات، وإثباتها نفي، ولذا ألغز المعرّي بقوله: [الطويل]
أنحويّ هذا العصر ما هي لفظة... جرت في لساني جرهم وثمود
إذا استعملت في صورة الجحد أثبتت... وإن أثبتت قامت مقام جحود
فأجابه الشيخ جمال الدين بن مالك صاحب الألفية بقوله: [الطويل]
نعم هي كاد المرء أن يرد الحمى... فتأتي لإثبات بنفي ورود
وفي عكسها ما كاد أن يرد الحمى... فخذ نظمها فالعلم غير بعيد
وقد اتفقت كلمة النّحاة على أن «كاد» كسائر الأفعال، وكلامهم متقارب المعنى في هذا الشأن، ومتشابه.
انظر الشاهد رقم [١١٢٧] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» والأشموني، وغيرهما، وها أنا ذا أسوق لك ما ذكره السّيوطي-رحمه الله تعالى-في كتابه: (همع الهوامع) لتكون على بصيرة من أمرك. قال رحمه الله: والتحقيق: أنّها كسائر الأفعال، نفيها نفي، وإثباتها إثبات؛ إلا أنّ معناها المقاربة، لا وقوع الفعل، فنفيها نفي لمقاربة الفعل، ويلزم منه نفي الفعل ضرورة؛ لأنّ من لم يقارب الفعل؛ لم يقع منه الفعل، وإثباتها إثبات لمقاربة الفعل، ولا يلزم من مقاربته