وقوعه، فقولك:«كاد زيد يقوم» معناها: قارب القيام. ولم يقم، ومنه قوله تعالى في سورة (النور) رقم [٣٥]: {يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ} أي: يقارب الإضاءة، إلا أنّه لم يضيء، وقولك:«لم يكد زيد يقوم» معناه: لم يقارب القيام، فضلا عن أن يصدر منه، ومنه قوله تعالى في سورة النور رقم [٤٠]: {إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها} أي: لم يقارب أن يراها، فضلا عن أن يرى، وقوله تعالى في سورة (إبراهيم) -على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ} أي: لا يقارب إساغته فضلا عن أن يسيغه، وعلى هذا الزّجّاجي، وغيره.
وذهب قوم منهم ابن جنّي إلى أنّ نفيها يدلّ على وقوع الفعل ببطء؛ لآية:{وَما كادُوا يَفْعَلُونَ} رقم [٧١] من سورة (البقرة)، فإنّهم فعلوا بعد بطء، والجواب: أنّها محمولة على وقتين، أي: فذبحوها بعد تكرار الأمر عليهم بذبحها، وما كادوا يذبحونها قبل ذلك، ولا قاربوا الذّبح، بل أنكروا أشدّ الإنكار؛ بدليل ما حكى الله عنهم:{قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً؟!}.
وقال ابن هشام في مغنيه: فالجواب: أنّه إخبار عن حالهم في أوّل الأمر، فإنّهم كانوا بعداء عن ذبحها، بدليل ما يتلى علينا من تعنّتهم، وتكرار سؤالهم. انتهى. وقوله مشابه لقول السيوطي المتقدّم. تأمّل، وتدبّر، وربّك أعلم، وأجلّ، وأكرم.
الإعراب:{أَيْنَما:} اسم شرط جازم مبني على السكون، وبعضهم يقول: مبني على الفتح في محل نصب على الظرفية المكانية، متعلّق بمحذوف خبر:{تَكُونُوا} مقدّم على نقصانه، ومتعلّق به على تمامه، و (ما): زائدة. {تَكُونُوا:} فعل مضارع فعل الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنّه من الأفعال الخمسة، والواو اسمه، أو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنّها ابتدائية. {يُدْرِكْكُمُ:} فعل مضارع جواب الشرط مجزوم، والكاف مفعول به.
{الْمَوْتُ:} فاعله، والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنّها جملة جواب الشرط، ولم تقترن بالفاء، ولا ب «إذا» الفجائية، والشرط ومدخوله كلام مستأنف لا محلّ له. ويحتمل: أنّه داخل في مقول القول المذكور في الآية السابقة، والمعنى: قل لهم: أينما تكونوا في الحضر، أو في السفر يدرككم الموت الذي تكرهون القتال لأجله. وقرئ شاذّا برفع الجواب وهو على حذف الفاء، أي: فهو يدرككم، واعتبر القرطبيّ-رحمه الله تعالى-قول عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت الأنصاري مثله، وهو الشاهد رقم [٨٦] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [البسيط]
من يفعل الحسنات الله يشكرها... والشّرّ بالشّرّ عند الله مثلان
إذ التقدير: فالله يشكرها، والفرق بينهما واضح، فالآية حذف فيها الفاء، والمبتدأ، والبيت حذف فيه الفاء فقط، وقال البيضاوي-رحمه الله تعالى-: أو على أنّه كلام مبتدأ، و {أَيْنَما} متّصل ب ({تُظْلَمُونَ}). انتهى. والمعنى لا يؤيّد الوجهين. {وَلَوْ:} الواو: واو الحال. (لو):