وقال بعضهم: اللام الأولى هي الموطئة للقسم، ولما اجتمع اللامان، واتفقا في اللفظ، فصل بينهما ب (ما)، وظاهر هذه العبارة أن (ما) زائدة جيء بها للفصل إصلاحا للفظ، وقال أبو شامة: واللام في (لما) هي الفارقة بين المخففة والنافية، وفيه نظر؛ لأن الفارقة إنما يؤتي بها عند التباسها بالنافية، والالتباس إنما يكون عند إهمالها، نحو (إن زيد لقائم). وهي في الآية الكريمة عاملة، فلا تلتبس بالنافية، فلا يقال: إنها فارقة، فتلخص أن في اللام أربعة أوجه:
أحدها: أنها لام الابتداء الداخلة على خبر إن. الثاني: أنها موطئة للقسم. الثالث: أنها جواب القسم كررت تأكيدا، الرابع: أنها الفارقة بين المخففة والنافية، وأن في (ما) ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها موصولة، والثاني: أنها نكرة موصوفة، والثالث: أنها مزيدة للفصل بين اللامين.
وأما القراءة الثانية، وهي تخفيف (إن) وتشديد {لَمّا} فالكلام في (إن) كما تقدم، وأما {لَمّا} ففيها أوجه:
أحدها: أن الأصل (لمن ما) بكسر الميم على أنها (من) الجارة، دخلت على (ما) الموصولة، أو الموصوفة، أي: لمن الذين والله ليوفينهم، أو لمن خلق والله ليوفينهم، فلما اجتمعت النون ساكنة قبل ميم (ما) وجب إدغامها فيها، فقلبت ميما، وأدغمت، فصار في اللفظ ثلاثة أمثال، فخففت الكلمة بحذف إحداهما، فصار اللفظ كما ترى {لَمّا}.
الثاني: ما ذهب إليه المهدوي ومكي، وهو أن يكون الأصل (لمن ما) بفتح ميم (من) على أنها موصولة، أو موصوفة و (ما) بعدها مزيدة، قال: فقلبت النون ميما، وأدغمت في الميم التي بعدها، فاجتمع ثلاث ميمات، فحذفت الوسطى منهن، وهي المبدلة من النون، فقيل:{لَمّا}.
الثالث: أن (إن) نافية بمنزلة (ما)، و (لمّا) بمعنى (إلا) فهي كقوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ،} و {وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا،} أي: ما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا، واعترض على هذا الوجه بأن (إن) النافية لا ينصب الاسم بعدها، وهذا الاسم منصوب بعدها، وأجاب بعضهم عن ذلك بأن {كُلاًّ} منصوب بإضمار فعل، فقدره بعضهم:(وإن أرى كلا لما) أي: وما أرى كلاّ إلا، وبعضهم:(وإن أعلم كلاّ لمّا) ونحوه.
وأما القراءة الثالثة: وهي تشديدهما، ف (إنّ) على حالها، فلذلك نصب ما بعدها على أنه اسمها، وأما {لَمّا} في التشديد ففيها الأوجه الثلاثة المتقدمة، وهذا؛ وقد قال ابن هشام في المغني:{لَمّا} جازمة، ومجزومها محذوف لدلالة ما بعده عليه، التقدير: لمّا يوفّوا، وهو قول المرادي في الجنى الداني، وقول ابن الحاجب، لكنه قدر:(لمّا يهملوا)، (أو لمّا يتركوا).
وأما القراءة الرابعة، وهي تشديد (إنّ) وتخفيف (لما) فواضحة جدا ف (إنّ) هي المشددة عملت عملها، والكلام في اللام و (ما) مثل ما تقدم من الوجوه الأربعة في اللام، والثالثة في