للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد حذفت الألف من: {بِسْمِ اللهِ..}. للخفة، ولكثرة الاستعمال، وأثبتت في قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} لقلة الاستعمال. هذا؛ واسم: أحد الأسماء العشرة التي بنوا أوائلها على السكون، فإذا نطقوا بها مبتدءين، زادوا همزة الوصل في أولها، تفاديا للابتداء بالساكن، علما بأن هذه الهمزة تسقط في وصل الكلام وإن كتبت، وهذه الأسماء هي: ابن، وابنة، وابنم، وامرئ، وامرأة، واسم، واست، واثنين، واثنتين، وايمن.

{الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ:} اسمان. وقيل: صفتان مأخوذتان من الرحمة، وهما في حقه سبحانه وتعالى بمعنى المحسن، أو مريد الإحسان، لكن الأول بمعنى المحسن بجلائل النعم، والثاني بمعنى المحسن بدقائق النعم، وإنما جمع بينهما في البسملة، إشارة إلى أنه ينبغي أن يطلب منه تعالى النعم الحقيرة، كما ينبغي أن يطلب منه النعم العظيمة، وقد يوصف بالرحيم المخلوقون، وأما الرحمن فلا يوصف به إلا الله تعالى ومن وصف به مسيلمة الكذاب فقد تعنّت حيث قال فيه: [البسيط] وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا

بعد هذا ينبغي أن تعلم: أن البسملة آية من سورة الفاتحة، وآية من كل سورة ما عدا براءة عند الشافعي-رحمه الله تعالى-ولا تعد آية في كل ذلك عند مالك، وأبي حنيفة-رحمهما الله تعالى-وإنما هي للفصل بين كل سورتين، وأحمد-رحمه الله تعالى-يعدها آية من أول سورة الفاتحة، ولا يعدها آية في غيرها. ومبحث ذلك مبسوط في كتاب الفقه.

وأخيرا ينبغي أن تعلم: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ندبنا إلى افتتاح جميع أمورنا بالبسملة تيمنا، وتبركا، فقد روى الخطيب في كتاب الجامع عنه صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال: «كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرّحمن الرحيم، فهو أبتر». وفي رواية: فهو أقطع، والمعنى: قليل البركة، أو معدومها. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.

الإعراب: {بِسْمِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف، تقديره: أقرأ، أو أتلو؛ إذا أراد الشخص القراءة، وقس على ذلك جميع الأعمال التي يقوم بها المسلم، ويسمي الله عليها، فمثلا الآكل، والشارب، والقائم، والقاعد، تقدير المحذوف عنده: آكل، أو أشرب... إلخ، وتقدير المحذوف «فعلا» مذهب الكوفيين، وهم: يقدرونه مؤخرا ليفيد معنى الاختصاص، وأما البصريون فإنهم يقدرون المحذوف «اسما» والتقدير عندهم: ابتدائي كائن بسم. وقال المرحوم سليمان الجمل: والأحسن أن يقدر متعلق الجار هنا: قولوا؛ لأن المقام مقام تعليم، وهذا الكلام صادر عن حضرة الرب تعالى. انتهى. و (اسم) مضاف، و {اللهَ} مضاف إليه.

{الرَّحْمنِ:} بدل من لفظ الجلالة. {الرَّحِيمِ:} بدل ثان من لفظ الجلالة، وهذا على اعتبارهما اسمين من أسماء الله الحسنى، وهو المعتمد. وقيل: هما صفتان للفظ الجلالة. هذا؛ ويجوز

<<  <  ج: ص:  >  >>