للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصف الشاعر نوقا حبسن في مرعى سوء غير ناجع، هزلهن، فكلهن داميات الأيدي من وضعها على الضريع ذي الشوك، قليلة اللبن. هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (الحاقة): {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلاّ مِنْ غِسْلِينٍ} وقال هنا: {إِلاّ مِنْ ضَرِيعٍ} وهو غير الغسلين، ووجه الجمع بين الآيتين: أن النار دركات، فمنهم من طعامه الزقوم، ومنهم من طعامه الغسلين، ومنهم من طعامه الضريع، ومنهم من شرابه الحميم، ومنهم من شرابه الصديد. ودركات النار على قدر الذنوب، وتقع العقوبات على قدرها.

فعن أبي الدرداء-رضي الله عنه-قال: يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون منه، فيغاثون بالضريع؛ الذي لا يسمن، ولا يغني من جوع، فيأكلونه لا يغني عنهم شيئا، فيستغيثون، فيغاثون بطعام ذي غصة، فيغصّون به، فيذكرون: أنهم كانوا في الدنيا يجيزون الغصص بالماء، فيستغيثون بالشراب، فيرفع لهم بالكلاليب، فإذا دنا من وجوههم شواها، فإذا وقع في بطونهم قطع أمعاءهم، وما في بطونهم، فيستغيثون بالملائكة، فيقولون: في سورة (غافر): {اُدْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ..}. إلخ. أخرجه الترمذي، وغيره.

أقول: كله مأخوذ من الآيات القرآنية. قال تعالى هنا: {لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ..}. إلخ، وقال تعالى في سورة (المزمل): {إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً (١٢) وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً،} وقال في سورة (محمد صلّى الله عليه وسلّم): {وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ،} وقال تعالى في سورة (الكهف) رقم [٢٩]: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ}.

وجاء في الحديث عن ابن عباس-رضي الله عنهما-يرفعه: «الضريع شجر في النار، يشبه الشوك، أمرّ من الصّبر، وأنتن من الجيفة، وأشدّ حرارة من النار». وقال بعض المفسرين: فلما نزلت هذه الآية قال بعض المشركين: إن إبلنا لتسمن على الضريع، وكذبوا في ذلك، فإن الإبل إنما ترعاه ما دام رطبا، ويسمى شبرقا، فإذا يبس لا يأكله شيء، وعلى تقدير أن يصدقوا؛ فيكون المعنى: إن طعامكم في جهنم من ضريع ليس من جنس ضريعكم في الدنيا إنما هو ضريع غير مسمن، ولا مغن من جوع.

{لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} يعني: أن هذا الطعام لا تقدر البهائم على أكله، فكيف يقدر الإنسان على أكله، فهو لا يسمن، ولا يغني من جوع، فمنفعتا الغذاء منتفيتان عنه، وهما: دفع الجوع، وإفادة السمن.

الإعراب: {لَيْسَ:} فعل ماض ناقص. {لَهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر {لَيْسَ} تقدم على اسمها. {طَعامٌ:} اسمها مؤخر، والجملة الفعلية يجوز فيها ما جاز بجملة:

{تَصْلى ناراً حامِيَةً}. {إِلاّ:} حرف حصر. {مِنْ ضَرِيعٍ:} متعلقان بمحذوف حال مستثنى من عموم الأحوال. {لا:} نافية. {يُسْمِنُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى {ضَرِيعٍ،} والمفعول

<<  <  ج: ص:  >  >>