الشراب الذي هو كالنحاس المذاب يقطع الأمعاء، والأحشاء، قال تعالى في سورة (محمد صلّى الله عليه وسلّم):
{وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ} ومعنى {آنٍ} شديد الحرارة، والمعنى: أنهم يسعون بين الحميم، وبين الجحيم فإذا استغاثوا من النار جعل عذابهم الحميم الاني، الذي صار كالمهل، قال تعالى في سورة (الكهف) رقم [٢٩]: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ}. هذا؛ وإعلال {آنٍ} مثل إعلال {فانٍ} في الاية رقم [٢٦].
فإن قلت: هذه الأمور المذكورة في هذه الايات من قوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ} إلى هنا ليست نعما، فكيف عقبها بقوله:{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟} قلت: المذكور في هذه الايات مواعظ، وزواجر، وتخويف، وكل ذلك نعمة من الله تعالى، لأنها تزجر العبد عن المعاصي، فصارت نعما، فحسن ختم كل آية منها بقوله تعالى:{فَبِأَيِّ آلاءِ..}. إلخ. انتهى. خازن.
هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (الأنبياء): {وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ} ومعلوم: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم بعث بشيرا لمن آمن، ونذيرا لمن كفر، فجعل الإنذار رحمة، كما جعل التبشير رحمة.
والايات التي نحن بصدد شرحها من هذا القبيل، كما جعل سبحانه، وتعالى التحذير رأفة، فقال:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ} الاية رقم [٣٠] من سورة (آل عمران).
هذا؛ و (بين) ظرف مكان بمعنى: وسط بسكون السين، لا يقع إلا بين متعدد لفظا، وحكما تقول: جلست بين القوم، كما تقول: جلست وسط القوم. هذا؛ والبين: الفراق، والبعاد، وهو أيضا: الوصل، فهو من الأضداد، كالجون يطلق على الأسود، والأبيض. ومن استعماله بمعنى الوصل، ما قرئ به في سورة (الأنعام) رقم [٩٤]: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} حيث قرئ برفعه، ومن استعماله بمعنى الفراق، والبعاد قول كعب بن زهير-رضي الله عنه-من قصيدته؛ التي مدح بها النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو الشاهد رقم [٨٠٩] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [البسيط] وما سعاد غداة البين إذ رحلوا... إلاّ أغنّ غضيض الطّرف مكحول
الإعراب:{هذِهِ:} اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ، والهاء حرف تنبيه لا محل له. {جَهَنَّمُ:} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول لقول محذوف، التقدير: فيقال لهم: هذه جهنم، والجملة الفعلية معطوفة على جملة:{يُعْرَفُ..}. إلخ لا محل لها مثلها. {الَّتِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع صفة {جَهَنَّمُ}. {يُكَذِّبُ:}
فعل مضارع. {بِهَا:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {الْمُجْرِمُونَ:} فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {يَطُوفُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل نصب حال من {الْمُجْرِمُونَ،} والرابط: الضمير فقط، وإن اعتبرتها مستأنفة؛ فلا محل لها. {بَيْنَها:} ظرف مكان