{وَلا تُطِعْ:} الخطاب لسيد الخلق، وحبيب الحق صلّى الله عليه وسلّم، ويعم كل عاقل بأن لا يطيع، ولا يصغي لكل من يتصف بالصفات الذميمة المذكورة. {كُلَّ حَلاّفٍ:} كثير الحلف بالله، وأقبح منه الحلف بالطلاق، وهو شائع في هذه الأيام، وكثير. {مَهِينٍ:} حقير ذليل، فهو لمهانته، وحقارته يكثر الحلف ليصدق بقوله، ويرتفع شأنه، ومكانته بين الناس، والرسول صلّى الله عليه وسلّم نهى عن كثرة الحلف، وشدد النكير على الذين يكثرون الحلف بالله، ولا سيما التجار، وخذ ما يلي:
فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أربعة يبغضهم الله: البيّاع الحلاّف، والفقير المختال، والشّيخ الزّاني، والإمام الجائر». رواه النسائي وابن حبان في صحيحه.
وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الحلف منفقة للسّلعة، ممحقة للكسب». رواه البخاري، ومسلم. وعن عبد الرحمن بن شبل-رضي الله عنه-قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:«إنّ التّجّار هم الفجّار». قالوا: يا رسول الله! أليس قد أحلّ الله البيع؟ قال:«بلى، ولكنّهم يحلفون فيأثمون، ويحدّثون، فيكذبون». رواه أحمد بإسناد جيد.
وعن أبي ذر الغفاري-رضي الله عنه-، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكّيهم، ولهم عذاب أليم». قال: فقرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاث مرات، فقلت:
خابوا وخسروا! ومن هم يا رسول الله؟! قال:«المسبل، والمنّان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وخذ قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [٢٢٣]: {وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وانظر ما ذكرته في سورة (المائدة) رقم [٨٩] من النكير على الذين يفتون في كفارة اليمين بإعطاء مدّ قمح للمسكين. {هَمّازٍ:} عياب، طعان، مغتاب، قال تعالى:{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} سورة (الهمزة). وانظر ما أذكره هناك إن شاء الله تعالى. قال أبو العالية، وعطاء بن أبي رباح، والحسن: الهماز: الذي يذكر الناس في وجوههم، واللماز: الذي يذكرهم في مغيبهم. وقال مقاتل ضد هذا الكلام: إن الهمزة الذي يغتاب بالغيبة، واللمزة الذي يغتاب في الوجه. وقيل: هما سواء. قال الشاعر:[البسيط]
تدلي بودّ إذا لاقيتني كذبا... وإن أغب عنك كنت الهامز اللّمزه
{مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ} أي: يمشي بين الناس بالنميمة ليفسد بينهم، وذلك بنقل الكلام من شخص إلى آخر على وجه السعاية، والإفساد بينهم، وهي من شر ما يتصف بها إنسان. وقد شدد الرسول صلّى الله عليه وسلّم النكير على من يتصف بتلك الصفة الدنيئة الوضيعة. وخذ ما يلي:
فعن أبي الدرداء-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام، والقيام؟!» قالوا: بلى! قال: «إصلاح ذات البين، فإنّ فساد ذات البين هي الحالقة».