للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسكين عندنا معاشر الشافعية، ويدل عليه قوله تعالى في سورة (الكهف): {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ..}. إلخ فسماهم مساكين مع كونهم يملكون سفينة يتجرون فيها، وينقلون بضائع للناس من صقع إلى صقع، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يسأل الله المسكنة، ويتعوذ به من الفقر، فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-: قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ أحيني مسكينا، وتوفني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين! وإنّ أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدّنيا وعذاب الاخرة». رواه ابن ماجه، وروى الترمذي مثله عن أنس-رضي الله عنه-، والعكس عند أبي حنيفة.

{دِيارِهِمْ:} جمع دار، وهي مأوى الإنسان، ومسكنه في الدنيا، وهي مؤنثة، وقد تذكّر، أصلها: دور بفتحتين، قلبت الواو ألفا؛ لتحركها، وانفتاح ما قبلها، وجمعها: ديار، ودور، وأدؤر، وأدور، وأدورة، وأدوار، ودورات، وديارات، ودوران، وديران، وأصل ديار دوار، قلبت الواو ياء؛ لأنها وقعت عينا في جمع على وزن فعال لمفرد اعتلت عينه بالقلب. هذا؛ والدار أيضا: البلد، والقبيلة، ودار القرار: الاخرة، والداران: الدنيا والاخرة، ودار الحرب:

بلاد العدو.

هذا؛ وقال أبو حاتم: إن الديار العساكر، والخيام، لا البنيان، والعمران، وإن الدار البنيان، والعمران، وعليه قوله تعالى: {فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ} أي: في عساكرهم، وخيامهم ميتين، وقال جل شأنه: {فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ} أي: في مدينتهم المعمورة، ولو أراد غير ذلك؛ لجمع الدار، فعلم من كلامه: أن الديار مخصوصة بالخيام. انتهى. قال صاحب الخزانة: وهذه غفلة عن قول الشاعر، وهو مجنون ليلى: (أقبل ذا الجدار) وهو حائط البيت، وذلك في قوله: [الوافر] أمرّ على الدّيار ديار ليلى... أقبّل ذا الجدار، وذا الجدارا

وما حبّ الديار شغفن قلبي... ولكن حبّ من سكن الدّيارا

أقول: ولو استشهد بما في هذه الاية، وفي قوله تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ} رقم [٤٠] من سورة (الحج)، ومثلها في (الأحزاب) رقم [٢٧]، ومثلها في البقرة [٨٤] و [٢٤٣] و [٢٤٦] وغيرها كثير؛ لكان أولى.

أما (أموالهم) فهي جمع: مال. قال ابن الأثير: المال في الأصل يطلق على ما يملك من الذهب، والفضة، ثم أطلق على كل ما يقتنى، ويملك من الأعيان، وأكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل؛ لأنها أكثر أموالهم، وقال الجوهري: ذكر بعضهم: أن المال يؤنث، وأنشد لحسان-رضي الله عنه-:

المال تذري بأقوام ذوي حسب... وقد تسوّد غير السّيد المال

<<  <  ج: ص:  >  >>