وألف سلام. {كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ..}. إلخ رقم [١] ويقال فيه: ذو الحكمة، يقال: قصيدة حكيمة، أي ذات حكمة، وانظر الكلام على {الْحِكْمَةَ} في سورة (لقمان) رقم [١٢]. وحكم الرجل يحكم؛ أي: صار حكيما، ومنه قول النابغة الذبياني يخاطب النعمان بن المنذر في معلقته رقم [٢٧]: [البسيط] واحكم كحكم فتاة الحيّ إذ نظرت... إلى حمام شراع وارد الثّمد
وأحكمته التجارب: جعلته حكيما. قال الشاعر:[الكامل] وقصيدة تأتي الملوك حكيمة... قد قلتها ليقال من ذا قالها؟
والخطاب بقوله تعالى:{إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} للنبي صلّى الله عليه وسلّم. {عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي: على منهج قويم، وشرع مستقيم، كقوله تعالى في سورة (الشورى): {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِراطِ اللهِ} أي: الطريق الذي أمر الله بالسير عليه، ولا تنس ما في الآية الكريمة من التأكيد بأكثر من مؤكد؛ لأن المرسل إليهم منكرون، فقد أكد ب:«إن» واللام، ويسمى هذا النوع في علم المعاني: إنكارا.
قال الزمخشري: فإن قلت: أي حاجة إليه، وقد علم: أن المرسلين لا يكونون إلا على صراط مستقيم؟! قلت: ليس الغرض بذكره ما ذهبت إليه من تمييز من أرسل على صراط مستقيم عن غيره ممن ليس على صفته، وإنما الغرض وصفه، ووصف ما جاء به من الشريعة، فجمع بين الوصفين في نظام واحد، كأنه قال:{إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ،} الثابتين على طريق ثابت. هذا؛ والصراط: الطريق، وهو مستعار هنا للدين القويم كما في سورة الفاتحة، وسمي الدين طريقا؛ لأنه يؤدي إلى الجنة، فهو طريق إليها، وهو يقرأ بالصاد، والسين، والزاي، ويذكر، ويؤنث، والأول أكثر.
هذا؛ وأصل مستقيم (مستقوم)؛ لأنه من: استقام، وهو أجوف واوي، فقل في إعلاله:
اجتمع معنا حرف صحيح ساكن، وحرف علة متحرك، والحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، فنقلت حركة الواو إلى القاف بعد سلب سكونها، ثم قلبت الواو ياء لمناسبة الكسرة، فصار: مستقيم.
{الْحَكِيمِ:} صفة له. {إِنَّكَ:} حرف مشبه بالفعل، والكاف اسمها. {لَمِنَ:} اللام: هي المزحلقة. (من المرسلين): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر: (إنّ). {عَلى صِراطٍ:} متعلقان بمحذوف خبر ثان، أو هما متعلقان ب:{الْمُرْسَلِينَ،} ويجوز أن يكونا متعلقين بمحذوف حال من الضمير المستتر في الخبر المحذوف. {مُسْتَقِيمٍ:} صفة (صراط). والجملة الاسمية:{إِنَّكَ..}.
إلخ جواب القسم، والقسم وجوابه كلام مبتدأ لا محل له من الإعراب.