نزلت في الوليد بن المغيرة. وقيل: في أبي بن خلف. وقيل: نزلت في أبي الأشد بن كلدة الجمحي، واسمه أسيد. وقيل: كلدة بن خلف، وكان كافرا، ضرب النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلم يعاقبه الله، وأنزل هذه الآية. وقيل: الآية عامة في كل كافر، وعاص، وهو الأولى.
يقول الله: {ما غَرَّكَ} قيل: غرّه حمقه، وجهله. وقيل: غرّه تسويل الشيطان. وقيل: غرّه عفو الله عنه؛ حيث لم يعاجله بالعقوبة في أول مرة. {بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} أي: المتجاوز عنك، فهو بكرمه لم يعاجلك بعقوبته، بل بسط لك المدة لرجاء التوبة. قال ابن مسعود-رضي الله عنه-:
ما منكم من أحد إلا سيخلو الله عز وجل به يوم القيامة، فيقول له: يابن آدم ما غرك بي؟ يا بن آدم ماذا عملت فيما علمت؟ يابن آدم ماذا أجبت المرسلين؟ قيل للفضيل بن عياض: لو أقامك الله يوم القيامة بين يديه، فقال لك: يا بن آدم {ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} ماذا كنت تقول؟ قال:
أقول: غرني ستورك المرخاة؛ لأن الكريم هو الستار. نظمه ابن السماك، فقال: [السريع]
يا كاتم الذّنب أما تستحي... والله في الخلوة ثانيكا
غرّك من ربّك إمهاله... وستره طول مساويكا
وقال يحيى بن معاذ الرازي: لو أقامني بين يديه وقال: ما غرك بي؟ أقول: غرني برك بي سالفا، وآنفا. وقال أبو بكر الوراق: لو قال لي: ما غرك بربك؟ لقلت: غرني كرم الكريم.
وقال بعض أهل الإشارة: إنما قال: {بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} دون سائر أسمائه، وصفاته، كأنه لقنه حجته في الإجابة، حتى يقول: غرني كرم الكريم. انتهى. خازن بتصرف.
{الَّذِي خَلَقَكَ:} أوجدك من العدم بعد أن لم تكن شيئا مذكورا، وكان ذلك من نطفة مذرة.
{فَسَوّاكَ} أي: جعلك سويا سالم الأعضاء في بطن أمك، فجعل لك عينين تبصر فيهما، وأذنين تسمع بهما، ويدين تبطش بهما، ورجلين تسعى بهما. {فَعَدَلَكَ:} يقرأ بتشديد الدال: أي:
فصيرك معتدلا متناسب الخلق من غير تفاوت فيه، فلم يجعل إحدى اليدين أطول، ولا إحدى العينين أوسع، ولا بعض الأعضاء أبيض، وبعضها أسود. وقيل: معناه: جعلك قائما معتدلا حسن الصورة، ولم يجعلك كالبهيمة، تأكل، وتشرب منحنيا. قال تعالى في سورة (التين): {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}. ويقرأ بتخفيف الدال، وعليه فالمعنى: فأمالك وصرفك إلى أي صورة شاء، إما حسنا، وإما قبيحا، وإما طويلا وإما قصيرا، انظر ما ذكرته في آيات (السجدة) رقم [٧ و ٨ و ٩]، وفي سورة (الأعلى) أيضا.
{فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ} أي: إن شاء في صورة إنسان، وإن شاء في صورة حمار، وإن شاء في صورة قرد، وإن شاء في صورة خنزير. وقال مكحول: إن شاء ذكرا، وإن شاء أنثى.
وقيل: {فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ} من الصور المختلفة، بحسب الطول، والقصر، والحسن،