المعرفة واجبة, وعلى أنها لا تحصل إلا بالنظر, وعلى أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب, والكل مما لا يثبت إلا بأنظار دقيقة, وإذا كان وجوب النظر لا يعلم إلا بالنظر, فنقوله نحن بعينه عليهم, أي لو كان الحسن عقليًا لزم الإفحام بعين ما ذكرتم, بأن يقول للمعاند للرسول: لا أنظر حتى يجب النظر ولا يجب النظر حتى أنظر, أو يقول: لا يجب النظر ما لم يحكم العقل بوجوبه, ولا يحكم العقل بوجوبه ما لم يجب, فيلزم الإفحام أيضًا, فكلما تجعلونه جوابًا عنه فهو جواب لنا.
وأما التفصيلي: فهو أن نقول: قولك: لا أنظر حتى يجب عليّ النظر غير صحيح؛ لأن النظر لا يتوقف على وجوب النظر, لجواز أن ينظر المعاند قبل وجوب النظر أو قبل العلم بوجوب النظر, بسبب خطور إمكان الوجوب بباله واستلزام ترك ذلك إمكان العقاب, أو سبب آخر.
لا يقال: نحن ما ادعينا توقف حصول النظر على وجوبه حتى يدفع بأن النظر لا يتوقف على وجوبه, بل للمكلف أن يمتنع عن النظر حتى يعلم وجوبه. لأنا نقول: قوله «لا أنظر» إن كان معناه لا يقع مني النظر حتى يجب فممنوع, والسند ما مرّ, وإن كان معناه لا أتوجه إلى النظر حتى يجب عليّ النظر, فوجوب النظر لا يتوقف على التوجه إلى النظر, لجواز أن يحصل من غير توجه إليه, مع أنه لا يلزم من امتناع المكلف من النظر بقوله:«لا أنظر» عدم النظر فلا إفحام, ولو سلّم أن النظر يتوقف على وجوب النظر لكن وجوب النظر لا يتوقف على النظر, بل المتوقف على النظر العلم بوجوب النظر لا وجوب النظر.