للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول: احتج الشافعي ومن قال بقوله بحجتين:

الأولى: أن العادة تقضي بامتناع اتفاق العصر الثاني على ما استقر فيه خلاف العصر الأول؛ إذ اتفاق جميع مجتهدي العصر الثاني على أحد القولين مع أن لكل من القولين دليلًا ممتنع عادة.

الجواب: منع قضاء العادة؛ لجواز أن يكون مأخذ أحد القولين جليًا فصار أهل العصر الثاني إليه, وأيضًا: لو امتنع لم يقع, وقد وقع لما مرّ.

قالوا ثانيًا: لو كان ممكنًا لم يلزم من فرض وقوعه محال, أما الملازمة فبينة, وأما بطلان التالي؛ فلأنه لو وقع لكان حجة لتناول الأدلة له فيتعارض الإجماعان؛ إجماع هؤلاء على عدم تسويغ القول الآخر, وإجماع الأولين على تسويغ كل منهما, وتعارضهما يستلزم تخطئة أحدهما وهو ممتنع سمعًا.

الجواب: لا نسلم الإجماع الأول؛ إذ كل فرقة تجوز ما تقول به وتنفي الآخر, لا سيما إن قلنا المصيب واحد, فلا يجمعون على الخطأ, ولو سلم إجماعهم على تسويغ كل منهما فذلك مشروط بعدم قاطع يمنع منه, وقد وجد وهو الإجماع, فلا تعارض, وهذا كما لو لم يستقر خلاف أهل العصر الأول, فإن إجماعهم على جواز الأخذ بكل من القولين قبل استقرار خلافهم مشروط بانتفاء الإجماع القطعي على أحد القولين, فإذا حصل الإجماع زال شرط الإجماع الأول, وزوال الشرط موجب لزوال المشروط, فما هو جوابكم هناك فهو جوابنا هنا, ولهم أن يفرقوا بأن ذلك تجويز ذهني؛

<<  <  ج: ص:  >  >>