للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وحديثه حتى أضحكه، وضحك إليه، فلما همّ بالحركة، دعا بدابّته، وأمر غلمانه، فسعوا بين يديه، ثم سأل عنّى، فجئت، فقال: خذ علىّ ما بقى من جزئى. فقلت:

أيّها الأمير، أطال الله بقاك، لقد خفت أن تشكونى إلى جعفر بن يحيى، ولو فعلت ذلك لتنكّر لى. فقال: أترانى يا أبا محمد كنت أطلع الرّشيد على هذه، فكيف بجعفر ابن يحيى حتى أطلعه؟ إنّى أحتاج إلى أدب، إذا يغفر الله لك بعد ظنّك، ووجيب قلبك، خذ فى أمرك، فقد خطر ببالك ما لا تراه أبدا، ولو عدت فى كلّ يوم مائة مرّة.

وكانت ولايته الخلافة فى المحرّم، لخمس بقين منه، بعد مقتل أخيه، سنة ثمان وتسعين ومائة، فاستمرّ فى الخلافة عشرين سنة وخمسة أشهر.

قال ابن كثير، فى «تاريخه» (١): وقد بايع فى سنة إحدى ومائتين بولاية العهد من بعده لعلىّ الرّضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصّادق بن محمد الباقر بن علىّ زين العابدين ابن الحسين الشّهيد بن علىّ بن أبى طالب، رضى الله تعالى عنهم أجمعين، وخلع السّواد، ولبس الخضرة، كما قدّمنا، فأعظم ذلك العبّاسيّون من البغاددة وغيرهم، وخلعوا المأمون، وولّوا عليهم إبراهيم بن المهدىّ، ثم ظفر بهم المأمون، واستقام أمره فى الخلافة، وذلك بعد موت علىّ الرّضا بطوس، وعفا عن عمه إبراهيم بن المهدىّ.

قال: وروى الخطيب البغداذىّ (٢)، عن القاسم بن محمد بن عبّاد، قال: لم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء غير عثمان بن عفان، والمأمون، وهذا غريب جدّا. قالوا: وكان يتلو فى شهر/رمضان ثلاثا وثلاثين ختمة.

وجلس يوما لإملاء الحديث، فاجتمع حوله القاضى يحيى بن أكتم، وجماعة، فأملى عليهم من حفظه ثلاثين حديثا.

وكانت له بصيرة بعلوم متعدّدة؛ من فقه، وطبّ، وشعر، وفرائض، وكلام، ونحو، وعربيّة، وغريب، وعلوم النّجوم، وإليه ينسب الزّيج المأمونىّ.

*وروى ابن عساكر (٣)، أنّ المأمون جلس يوما للناس، وفى مجلسه العلماء والأمراء، فجاءت امرأة تتظلّم إليه، فذكرت أنّ أخاها توفّى، وترك ستّمائة دينار، فلم يحصل لها سوى دينار واحد. فقال لها على البديهة: قد وصل إليك حقّك؛ لأنّ


(١) البداية والنهاية ١٠/ ٢٧٥. وانظره فى:١٠/ ٢٤٧.
(٢) تاريخ بغداد ١٠/ ١٩٠.
(٣) نقله ابن كثير، فى البداية والنهاية ٢٧٦،١٠/ ٢٧٥.