للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حضور التصوّر زائدا على حسن التصوّر، والعلم. فهذه تسعة شروط فى المؤرّخ. وأصعبها الاطّلاع على حال الشخص فى العلم؛ فإنه يحتاج إلى المشاركة فى علمه، والقرب منه حتى يعرف مرتبته. انتهى.

ثم ذكر أنّ كتابته لهذه الشروط بعد أن وقف على كلام ابن معين فى الشافعىّ، وقول أحمد ابن حنبل: إنه لا يعرف الشافعىّ، ولا يعرف ما يقول.

قلت: وما أحسن قوله «ولما عساه/يطوّل فى التراجم من المنقول (١)، ويقصّر» فإنه أشار به إلى فائدة جليلة، يغفل عنها كثيرون؛ ويحترز منها الموفّقون، وهى تطويل التراجم وتقصيرها؛ فربّ محتاط لنفسه لا يذكر إلاّ ما وجده منقولا، ثم يأتى إلى من يبغضه فينقل جميع ما ذكر من مذامّه، ويحذف كثيرا ممّا نقل من ممادحه، ويجئ إلى من يحبّه فيعكس الحال فيه، يظنّ المسكين أنه لم يأت بذنب؛ لأنه ليس يجب عليه تطويل ترجمة أحد ولا استيفاء ما ذكر من ممادحه، وما (٢) يظنّ المغترّ أن تقصيره لترجمته بهذه النّيّة استزراء به، وخيانة لله، ولرسوله ، وللمؤمنين، فى تأدية ما قيل فى حقّه؛ من مدح وذمّ، فهو كمن يذكر بين يديه بعض الناس فيقول: دعونا منه، أو: إنه عجيب، أو: الله يصلحه. فيظنّ أنه لم يغتبه بشئ من ذلك، وما يظن أن ذلك من أقبح الغيبة.

ولقد وقفت فى «تاريخ الذهبىّ» على ترجمة الشيخ الموفّق ابن قدامة الحنبلىّ، والشيخ فخر الدّين ابن عساكر، وقد أطال تلك، وقصّر هذه، وأتى بما لا يشكّ الثّبت أنه لم يحمله على ذلك إلاّ أنّ هذا أشعرىّ، وذلك حنبلىّ، وسيقفون بين يدى ربّ العالمين.

وكذلك ما أحسن قول الشيخ الإمام: «وأن لا يغلبه الهوى»؛ فإن الهوى غلاّب إلاّ من عصمه الله تعالى.

وقوله: «فإمّا أن يتجرّد عن الهوى، أو يكون عنده من العدل ما يقهر به هواه» عندنا فيه زيادة، فنقول: قد لا يتجرّد من الهوى، ولكنه لا يظنّه هوى، بل يظنّه لجهله، أو لبدعته حقّا؛ ولذلك لا يتطلّب ما يقهر به هواه؛ لأن المستقرّ فى ذهنه أنه محقّ، وهذا كما يفعل كثير من


(١) فى طبقات الشافعية: «النقول».
(٢) فى طبقات الشافعية: «ولا يظن».