للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المتخالفين فى العقائد بعضهم فى بعض، فلا ينبغى أن يقبل قول مخالف فى العقيدة على الإطلاق، إلا أن يكون ثقة، وقد روى شيئا مضبوطا عاينه أو حقّقه.

وقولنا: «مضبوطا» احترزنا به عن رواية ما لا ينضبط، من التّرّهات التى لا يترتّب عليها عند التأمّل والتحقّق شئ.

وقولنا: «عاينه أو حقّقه» ليخرج ما يرويه عن من غلا أو رخّص ترويجا لعقيدته.

وما أحسن اشتراطه العلم، ومعرفة مدلولات الألفاظ، فلقد وقع كثيرون (١) بجهلهم فى جرح (١) جماعة بالفلسفة، ظنّا منهم أن علم الكلام فلسفة، إلى أمثال ذلك مما يطول عدّه. فقد قيل فى أحمد بن صالح، الذى نحن فى ترجمته: إنه يتفلسف. والذى قال هذا لا يعرف الفلسفة. وكذلك قيل فى أبى حاتم الرّازىّ، وإنما كان رجلا متكلّما. وقريب من هذا قول الذهبىّ فى المزنىّ: إنه يعرف مضايق المعقول. ولم يكن الذّهبىّ ولا المزنىّ يدريان شيئا من المعقول.

والذى أفتى به، أنه لا يجوز الاعتماد على كلام شيخنا الذّهبىّ فى ذمّ أشعرىّ، ولا شكر حنبلىّ. والله المستعان.

انتهى كلام ابن السّبكىّ بحروفه.

قلت: أكثر هذه الشروط مفقودة فى أكثر المؤرّخين، وفى غالب التواريخ، خصوصا تواريخ المتأخّرين، وقلّما تراها مجتمعة، حتى إن ابن السّبكىّ نفسه يخالفهم فى كثير من المواضع، ومن تأمّل «طبقاته» حقّ التأمّل، ووقف على كلامه فى حقّ بعض المعاصرين له، ظهر له صحّة ما ذكرنا، ونحن نسأل الله تعالى أن يوفّقنا للعمل بجميعها، وأن يعيننا عليه، ويسامحنا بما طغى به القلم، وحصل فيه الذّهول، وكلّ عنه الفكر، وقصّر فى التعبير عنه اللسان،/بمنّه وكرمه.


(١ - ١) مكان هذا فى طبقات الشافعية: «لجهلهم بهذا. وفى كتب المتقدمين جرح».