للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عناية الصحابة والتابعين بسنة النبي صلى الله عليه وسلم]

إن السنة النبوية كما قلت هي أشرف العلوم؛ ولذلك أنفق كل عالم من علماء السنة في سبيلها الغالي والنفيس، ومن هؤلاء العلماء يحيى بن معين، فقد ترك له أبوه ألف ألف دينار فأنفقها كلها عن بكرة أبيها من أجل هذا العلم الشريف، ومن أجل الجرح والتعديل وحفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يحفظ ما يقرب من مائة ألف حديث ضعيف، ويقول: أحفظ به سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

والبخاري أيضاً ترك له أبوه ألف ألف درهم وقال: لا يوجد درهم فيه شبهة، فانفق كل هذا المال من أجل سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وكانت أم الثوري رحمه الله - أمير المؤمنين في الحديث- تقول: اطلب الحديث وأنا سأغزل لأنفق عليك.

وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم باعوا كل شيء من أجل سنته صلى الله عليه وسلم، فقد كان الرجل منهم يجلس في مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم ليحفظ الحديث بكل صدق؛ ليبلغ الأمة ذلك الحديث، فيتناقله التابعون رحمهم الله تعالى حتى يصل إلينا غضاً طرياً فقد جاء في الحديث: (جاء رجلُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم متذمراً من فعل أخيه ويقول: يا رسول الله! إني أكد وأتعب وأنا أحمل هذا، وهو لا يبارح مجلسك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم -موضحاً أن بركة الرزق ببركة جلوس أخيه عنده صلى الله عليه وسلم- دعه؛ لعلك ترزق به).

وأبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه ترك الأنصار وزرعهم، والمهاجرين وتجارتهم، ليصحب النبي صلى الله عليه وسلم على فقرة وخلوة بطنه، فعلا ذكره رضي الله عنه الله عنه وهكذا فقد فطن الصحابة الكرام أنهم لن يرتقوا بأنفسهم عند ربهم إلا باتباع رسول الله صلى عليه وسلم، وبنصرة سنته صلى الله عليه وسلم، حتى إن عمر في أحلك اللحظات عندما اشتد غضبه ونظر إلى رسول الله في صلح الحديبية قائلاً: يا رسول الله! ألسنا على الحق؟ أليسوا على الباطل؟ وكل ذلك والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: بلى.

فيقول: فعلام نُعطي الدنية في ديننا؟ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا رسول الله ولن يضيعني الله)، يعني: يا عمر! عليك بسنتي وبهديي عض عليها بالنواجذ، ومع ذلك فـ عمر لا يستطيع أن يتقبل هذا، ولا صبر له على ذلك، فيذهب إلى أبي بكر، وانظروا إلى الفقه الذي عند أبي بكر، وهذا الذي جعل العلماء يقولون: إن بين أبي بكر وعمر كما بين السماء والأرض، حتى إن عمر نفسه يقول: ليتني شعرة في صدر أبي بكر.

فانظروا إلى دقائق الأمور في أحلك اللحظات حيث جاء عمر بن الخطاب يقول: يا أبا بكر! ألسنا على الحق؟ قال: بلى، قال: أليسوا على الباطل؟ قال: بلى، قال: فعلام نُعطي الدنية في ديننا؟ فقال أبو بكر: الزم غرزه فإنه رسول الله ولن يضيعه الله، ولذلك قال عمر: فعملت بعد ذلك لهذا أعمالاً؛ ولذلك فإن علماء الأصول يقولون: إذا اختلف الصحابة وكان فيهم أبو بكر في كفة؛ رجحت كفة أبي بكر على الباقين، إلا إذا كان هناك دليل معهم؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه موفق وصادق وصديق رضي الله عنه وأرضاه.

وكان عمر بن الخطاب يحث على السنة، ويعمل بها، ويسارع إليها، ويضرب عليها بصدق وتفان رضي الله عنه.

وورد عن أصاغر الصحابة في حفظهم للسنة ما يذهل العقول، فقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يجل أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ويعلم أن خير هذه الأمة على الإطلاق بعد رسول الله أبو بكر وعمر، وكان يجلس ويقول: شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عمر، ومع ذلك فقد كان يجلس يعلم الناس فقه الحج فيقول في المتعة: قد تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فيقول له رجل: يا ابن عباس! إن أبا بكر وعمر لم يقولا بذلك، فقال ابن عباس مغضباً: أوشكت السماء أن تمطر عليكم حجارة؛ أقول لكم: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر!.

فهذا حرص منه رضي الله عنه الله عنه على اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يفتح باب أمام باب رسول الله صلى الله عليه، ولا يدخل أهل الجنة الجنة حتى يفتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدخل هو أولاً.

فأنصح نفسي وإياكم أن تستعدوا لهاذم اللذات، فقد يأتي بغتة صباحاً أو مساءً، فإن استطاع أحدكم ألا يلتقط أنفاسه إلا بذكر الله فليفعل، أو بنصرة دين الله والعمل له والإسراع إلى مغفرة من الله ورضوان، فإننا لا ندري متى سيباغتنا الموت؟ وما هي خواتيم أعمالنا؟ وهل نحن من الشهداء أم التعساء؟ وهل نحن من السعداء أم من الأشقياء؟! فالشقي من كتب الله له الشقاء وهو في بطن أمه، فكل ميسر لما خلق له، فعليكم بذكر الله، وحضور حلقات العلم والإكثار من ذلك، فإن في ذلك النجاة، وعليكم بالإكثار من قول لا إله إلا الله والاستغفار؛ لعل الله سبحانه يرفع عنا ما نحن فيه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>