للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ما جاء في فضل العلم والعلماء]

قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:٩]، وقال تبارك اسمه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨]، وقال عز وجل: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:٤٣].

وقال صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة, وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وحفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده).

فكفاك فخراً أن يذكرك الله جل وعلا فيمن عنده، وذكر الله لك: بأن يثني عليك في الملأ الأعلى أمام جبريل وميكائيل وإسرافيل، وتذكر باسمك، فيا للفخر! ولذلك أبي بن كعب ما فرح بعد فرحه بالإسلام مثل فرحه عندما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبي إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة البينة)، فقال أبي: (يا رسول الله! أسماني ربي؟ قال: نعم، فبكى من الفرح) يعني: قال له: اقرأ على أبي.

وروي عن عيسى على نبينا وعليه السلام أنه قال: من عَلِم وعمل وعَلَّم فذلك يدعى في ملكوت السماوات عظيماً.

وعن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: خير سليمان بن داود -عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام- بين العلم والملك فاختار العلم فأعطي الملك والمال مع العلم، قال الإمام الشافعي: هذا العلم شريف، من طلب به الآخرة أخذها, ومن طلب به الدنيا أخذها, ومن طلب به العلا ارتفع به.

وسئل الإمام أحمد: يا أحمد! لم تفعل بنفسك هكذا؟ -وأحمد كان سيد الزهاد، قال فيه الشافعي: ما خلفت بالعراق أعلم ولا أزهد ولا أورع من أحمد - قال الإمام أحمد: والله لو أردت الدنيا بأسرها بهذا العلم لأخذتها، ولكني أريد به الله جل في علاه.

وقال عمر بن عبد العزيز: من عمل بغير علم كان ما يهدم أكثر مما يبني, ومن لم يعد كلماته من عمله كثرت خطاياه.

وعن أبي بكر بن عبد الرحمن قال: من غدا أو راح إلى مسجد لا يريد إلا العلم ثم رجع إلى بيته كان كالمجاهد في سبيل الله يرجع غانماً.

وعن عمر رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: إن الرجل ليخرج من بيته وعليه من الذنوب مثل جبل تهامة، فإذا سمع العلم خاف واسترجع من ذنوبه, فانصرف إلى منزله وليس عليه ذنب.

وقال علقمة بن قيس: لأن أغدو على قوم أسألهم عن الله ويسألوني عن الله أحب إلي من أحمل على فرس في سبيل الله عز وجل.

قال ابن القيم: العلماء يفضلون المجاهدين بمرحلتين, فكفى العلماء فخراً هذه الآية العظيمة: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران:١٨].

وقال سعيد بن جبير: كنت أكون مع ابن عباس فأسمع منه الحديث, فأكتبه في واسطة الرحل، فإذا نزلت نسخته.

وروي عن يزيد الرقاشي أن لقمان قال لابنه: يا بني! جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء.

وقال بعض الحكماء: لا أرحم أحداً أكثر من رحمتي لرجلين: رجل يطلب العلم ولا يفهم، ورجل يفهم ولا يطلب العلم! وعدم فهم العلم من سوء النية وسوء الطوية، والخلل كل الخلل من نفسه، فليراجع نفسه, فلا بد أن في القلب شيء , أو أن قلبه متعلق بغير الله, والفهم هو من الله ليس منه وليس من ذكاء المرء ولا العقل، قال الله: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ} [النحل:٥٣]، فإذا حجب الله عنه الفهم فهناك خلل إما في الديانة وإما في النية.

وروي أن لقمان قال لابنه: يا بني! اغد عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً ولا تكن الخامس فتهلك.

وسئل مالك فقيل له: يا أبا عبد الله! أي شيء أفضل ما يصنعه العبد؟ قال: طلب العلم والفقه, أما سمعت قوله تعالى: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة:١٢٢].

وقال رجل لـ أبي هريرة: أريد أن أتعلم العلم وأخاف أن يضيع, قال: كفى بتركك له تضييعاً.

وعن سفيان بن عيينة قال: طلبنا العلم لغير الله فأبى إلا أن يكون لله.

وروي عن عطاء قال: قال موسى: يا رب! أي عبادك أخشى لك؟ قال: أعلمهم.

وقيل للقمان: أي الناس خير؟ قال: مؤمن غني.

قيل له: غني من المال؟ قال: لا، ولكن غني من العلم، إن احتيج إليه وجد عنده علم، وإن استغني عنه كف نفسه.

بمعنى: أنه تعلم ما ينفعه عند ربه، ويرفع به جهله، ويكف نفسه عن الحرام, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر: (إن لم تجد فكف شرك عن الناس فإنها صدقة) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كونوا أحلاس بيوتكم)، وقال: (ابك على خطيئتك، وليسعك بيتك)، فإن العالم ينظر إلى عيوب نفسه ولا ينظر إلى عيوب الناس.

وقال بعض الحكماء: ليت شعري! أي شيء أدرك من فاته العلم، وأي شيء فاته من أدرك العلم؟! فمن فاته العلم فاتته الدنيا بأسرها، إذ العلم هو الذي يسير الدنيا.

وقال الحسن: مداد العلماء يوزن يوم القيامة بدم الشهداء, وهذا الكلام لا أدري ما شرحه، ففيه دلالة: على أن العالم يوزن عند الله جل وعلا بأمة بأسرها.

وكان يقال: العلماء سرج الأزمنة, وكل عالم مصباح زمانه يستضيء به أهل عصره.

وقال بعض الحكماء: العالم سفير بين الله وخلقه, فلينظر كيف يكون, فالعالم رسول لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت عن ابن عيينة بسند صحيح قال: خير الناس الواسطة بين رب الناس وبين الناس.

وقال سالم بن أبي الجعد: اشتراني مولاي بثلاثمائة درهم فأعتقني، فقلت: بأي حرفة أحترف؟ يريد عملاً يعمله حتى يكفي نفسه، قال: فاخترت العلم، فما تمت لي سنة حتى أتاني أمير المؤمنين زائراً فلم آذن له! فلو كان تاجراً هل سينظر إليه أمير المؤمنين؟ أمير المؤمنين أكثر منه مالاً, وهذا العبد الذي لا يساوي الأحرار، وعندما أعتق وطلب العلم فبعد عام واحد أمير المؤمنين يستأذن عليه حتى يسأله أن يدعو له, فلما وصل إليه لم يأذن له العبد؛ لأنه خشي على نفسه من السلاطين, كما يحكى عن الأعمش: أن أمير المؤمنين بعث إليه بكتاب فيه مال، وأراد أن يقرأ عليه بعض الأحاديث, فأخذ الورقة بعدما قرأها فأطعمها عنزة.

فـ الأعمش كان قوياً في الدين قوياً في نصرة السنة, وكان حرباً على القصاصين, والقصاصون ليسوا من أهل العلم، فالقصاص يسرد أحاديث موضوعة حتى يشوق قلوب الناس فقط, فهذا رجل واعظ كان يكذب على رسول الله جهلاً منه، فكان الأعمش يسمعه وهو يقص على الناس وقد جذب قلوب الناس، فأخذ يحدث عن الجنة وعن النار وعن القبر وأهوال القيامة وعلامات الساعة ويقول: حدثني الأعمش سليمان بن مهران حدثني فلان حدثني فلان عن رسول الله، ويسرد الحديث كيفما شاء، حدثني الأعمش، حدثني الأعمش , فقام الأعمش والناس ينظرون إليه فخلع رداءه وأخذ ينتف إبطه, فقال له الرجل القاص: ألا تتقي الله؟! أما تعلم أنك في مجلس علم؟! قال: دعك عني، ما أنا فيه خير مما أنت فيه، أي: أنت قصاص كذاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم, والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)، وهو ينتف شعر إبطه، وذلك من السنة.

وقال لقمان لابنه: يا بني! إن الحكمة أجلست المساكين مجلس الملوك، وهذا ما قاله عمر بن الخطاب عندما سأل عامله على مكة: من خلفت عليهم؟ قال: ابن أبزى، قال: من الموالي أم من الأحرار؟ قال: من الموالي، قال: خلفت عليهم مولى من الموالي!؟ قال: إنه قد قرأ القرآن, وتعلم الفرائض, وتعلم الحديث, فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين)، ولهذا فأكثر الحفاظ موالي من العجم وليسوا من العرب.

قال الزبير بن بكار: كتب إلي أبي من العراق: يا بني! عليك بالعلم فإنك إن افتقرت إليه كان مالاً, وإن استغنيت عنه كان جمالاً.

وقد أجاز بعض المحدثين الأجرة على التحديث لمن احتاج إلى ذلك، وهذا ليس من السنة, لكن جوز بعضهم ذلك إذا لم يجد المحدث ما يكفيه من الأموال، لكن على الأمة أن تكفي العالم؛ ولذلك الإمام الشافعي قال: أرى أن يصرف خمس الفيء الذي لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العلماء والمجاهدين، ولا يصرف في غير هؤلاء.

وعن سفيان الثوري قال: ما يراد الله بشيء أفضل من طلب العلم، وما طلب العلم في زمان أفضل منه اليوم.

وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال: ليس شيئاً مثل العلم, العلم خير من المال, العلم يحرسك وأنت تحرس المال, والعلم حاكم والمال محكوم عليه, والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو مع الإنفاق.

وسئل بعضهم: أيهما أفضل الأغنياء أو العلماء؟ فقال: العلماء.

فقيل له: فما بال العلماء يأتون الأغنياء؟ قال: لمعرفة العلماء بفضل ما عند الأغنياء، وجهل الأغنياء بفضل ما عند العلماء.

قال أبو الأسود: ليس شيئاً أعز من العلم,

<<  <  ج: ص:  >  >>