[التكييف الشرعي لشركات المساهمة]
وقبل الحكم عليها من حيث الجواز وعدمه لا بد من بيان التكييف الشرعي لهذه الشركة.
فإذا نظرت في كتب الفقه إلى الضوابط الفقهية والتكييفات الشرعية للشركات سوف تجد أن شركة المساهمة لا تنفك عن شركتين: شركة العنان، وشركة المضاربة.
الصورة الأولى: شركة العنان، وهي: أن يضع أشخاص أموالاً كل واحد منهم له مال معلوم، والربح يرجع عليهم كل إنسان على قدر سهمه، ومجالس الإدارات غالباً هم الذين يكونون شركة المساهمة، ومنهم أناس آخرون دفعوا هذه الأسهم وعملوا مع مجلس الإدارة.
إذاً فهذه صورة من صور شركات المساهمة: أن يكون مجلس الإدارة نفسه له حصة من الأسهم، والذين دفعوا الحصص الأخرى من الأسهم يعملون مع مجلس الإدارة، فهذه صورة شركة العنان.
الصورة الثانية: أن يشترك أشخاص بأموالهم، ويكون لكل منهم أسهم محددة، وآخرون يعملون في هذا المال سواء كان ذلك تجارة أو صناعة أو غيرها.
أي: أن هؤلاء الأشخاص معهم مال ولا يستطيعون العمل، وآخرون ليس عندهم مال فيعملون بأموال أولئك، وهذه الشركة هي شركة المضاربة.
الصورة الثالثة: تخليط بين شركة المضاربة وشركة العنان، وهي: أن مجلس الإدارة يعملون ولهم أيضاً أسهم، وآخرون دفعوا أسهماً ولا يعملون، فأصبح الذين دفعوا الأموال دون أن يعملوا مضاربين في شركة مضاربة، ومجلس الإدارة الذين لهم الأسهم وشاركوا في العمل في شركة عنان، فأصبحت شركة عنان ومضاربة، وفي هذه الصورة خلاف فقهي؛ لأن مجلس الإدارة يكون لهم حالتان، ولتوضيح الحالتين نضرب مثالاً: رجل عنده مال واستأجر رجلاً آخر يعمل في هذا المال، فقال هذا الرجل: وأنا عندي مال، فأنت دفعت عشرة آلاف وأنا سأدفع ثلاثة آلاف، وسأعمل لك في المال، فأصبح العامل هنا مضارباً ومشاركاً، فإذا كان مضارباً ومشاركاً فله حق الإدارة أي: راتب شهري، أو له نسبة فهاتان حالتان: الحالة الأولى: أن يكون له راتب شهري مع نسبة سهمه؛ لأنه مشارك ومضارب، فهذه صحيحة وليس فيها شيء.
الحالة الثانية: أن يكون له راتب شهري وعند الربح يخصص له مثلاً (٢%) أو (٣%) غير سهمه، وهذا حرام قطعاً قولاً واحداً؛ لأنها إجارة مجهولة.
والدليل على صحة هذه الشركات هو عموم الأدلة التي أثبتت صحة الشركة، منها أولاً: قول الله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف:١٩]، فكل واحد منهم دفع مالاً وقالوا: اذهب وائتنا بطعام، فاشتركوا في المال ليشتري لهم طعاماً، وإن كان في هذا الدليل نظر، لكن يستدل به على جواز الشركة.
ثانياً: الحديث الصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الله جل وعلا يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما الآخر).
ثالثاً: فعل الصحابة رضوان الله عليهم.
رابعاً: أن الأصل في المعاملات الحل ما لم يأت دليل على الحرمة.
خامساً: توافر شرط التراضي في هذه المعاملة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن البيع عن تراضي)، وقال الله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:٢٩].
إذاً: فالأصل إباحة هذه الشركات.