فهذا الصديق رضي الله عنه ينشر الله فضله وإخلاصه بين الناس من فوق سبع سماوات بقوله تعالى:{وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى}[الليل:١٧ - ٢٠].
فهنيئاً لك يا أبا بكر! أن الله ينشر فضلك وإخلاصك الباطني من فوق سبع سماوات بقوله:{وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى}[الليل:١٩ - ٢٠]، وقوله تعالى:{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ}[الزمر:٣٣]، قال علي بن أبي طالب: الذي جاء بالصدق: هو رسول الله، والذي أخلص في تصديقه هو أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه.
وانظروا إلى أروع الأمثلة التي ضربها لنا أبو بكر في إخلاصه لله تعالى، فلما مات رسول الله -بأبي هو وأمي- أرعب القوم، بل فُشِّلوا جميعاً، ثم جاء عمر بن الخطاب فأشهر سيفه وهو يقول: لو قال قائل: إن محمداً قد مات لأعلونه بالسيف، وهو يتململ تململ السليم، وهو يقول: ما مات محمد أبداً، بل ذهب إلى ربه وسيرجع ليقطع أرجل وأيدي المنافقين، فجاء أبو بكر ليعلو بكلمته ويظهر إخلاصه لله، فمنهجه: لا نرتبط بأحد أبداً حتى ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نرتبط بأحد أبداً إلا بالله جل في علاه، فقلوبنا متوجهة توجهاً واحداً إلى الله، فالممدوح بحق من مدحه الله، والمذموم بحق من ذمه الله، والثواب عند الله، والعقاب عند الله.
ويدخل أبو بكر على رسول الله وهو مسجى ثم يقبل بين عينيه ويقول: طبت حياً وميتاً بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ثم يخرج على عمر فيقول: اسكت، ولا يسكت عمر، فقال: أيها الناس! من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله في السماء حيٌّ لا يموت.
وهذا أروع ما يكون من الإخلاص فإنه يتمثل في فعل أبي بكر.