للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيان مكانة النبي الكريم]

الحمد لله فاطر السماوات والأرضين، الذي تكفل لنا بحفظ الملة والدين، جبار السماوات والأرض القوي المتين، أرسل لنا خير الثقلين وخير خلقه أجمعين، الذي لقبه أهل الكفر أنفسهم بالصادق الأمين، صاحب الأخلاق العلية والأنوار البهية، إمام النبيين والمرسلين، صاحب لواء الحمد الذي به يكشف عن البشرية في يوم الدين.

أرسله ربه رحمة للعالمين وهادياً للمتقين وإماماً للصالحين، ومكن له في ربوع الأرض مشارقها ومغاربها ليبلغ هذا الدين، فسارت دعوته إلى جميع الأقطار، وبلغ الدين بإذن ربه ما بلغ الليل والنهار، وما ترك بيت مدرٍ ولا وبر إلا دخلته بعز عزيز أو بذل ذليل، وستبقى طائفة يدافعون عنه وعن شريعته إلى يوم الدين، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم ولا من تكالب عليهم من الإنس والجن مجتمعين.

واختار له خير صحبة على مر الدهور والعصور والسنين، فأحبوه من كل قلوبهم وقدموه على الأموال والأنفس والبنين، فصلى الله عليه وعلى آله الطيبين وعلى أصحابه الطاهرين الغر الميامين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، أما بعد: فقد صدق الله وصدق رسوله ونحن على ذلك من الشاهدين، قال الله تعالى: {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:١٤]، قال جل في علاه: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:١٠٩]، وقال جل في علاه كاشفاً عن أوصافهم: {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران:١١٩].

فلا تزال الحرب مشتعلة مستعرة بين أهل الطغيان أولياء الشيطان وبين أولياء الرحمن بشتى ألوانها وأنواعها، وتتمثل الحرب الآن في شخص رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ولا عجب ولا غرابة في هذا؛ فإن أهل الكفر من اليهود والنصارى قد آذوا موسى عليه السلام من قبل ذلك واتهموا يوسف بالزنا، وآذوا عيسى بن مريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم فأرادوا قتله وصلبه.

ثم هذه الحرب التي لا هوادة فيها شنوها حرباً ضروساً على سيد الأنبياء والمرسلين، ولذلك كان لزاماً على جميع الأمة صغيرها وكبيرها أن يدفع ذلك بكل ما أوتي من قوة قدر استطاعته فإن الله لا يكلف نفساً إلا ما آتاها، وإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.

وبسبب هذا الهجوم على هذه الأمة نخصص في هذه الليلة هذه المحاضرة التي نتحدث فيها عن رسولنا الكريم لعل الله أن يتقبلنا جميعاً فيمن ينزل تحت لوائه مدافعاً عن عرضه بأبي هو وأمي.

نخاطب من خلالها الذين تجرءوا على عرض نبينا صلى الله عليه وسلم أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ينتمي نسبه إلى عدنان، وعدنان من ولد إسماعيل الذبيح عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، فهو أشرف الناس نسباً وأعظمهم قدراً.

روى مسلم في صحيحه عن واثلة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله عز وجل اصطفى بني كنانة من بني إسماعيل، واصطفى منهم قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم).

سأتكلم بإيجاز في هذه المحاضرة، وأبين لهؤلاء السفهاء مكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ربنا جل في علاه رب الأرض والسماوات وعند الصحابة الكرام؛ علنا نقتدي بفعلهم وتعظيمهم وتبجيلهم وتوقيرهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلنا لا نفضح يوم القيامة عند المقارنة بين أفعالهم تجاه جناب رسول الله وبين أفعالنا في هذه الأزمنة، ثم نبين مكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المشركين والكافرين، ثم واجب هذه الأمة نحو رسولها صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>