فإذا طلعت الشمس فعلى الحاج أن يذهب إلى بطن الوادي في عرفة، أو يذهب إلى نمر، وقد ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى نمرة وضربت له الخيمة هناك، فيذهب الحاج إلى المخيم الذي يخصه، ويضع أغراضه فيه، ثم يذهب سريعاً؛ لأن هذه هي السنة، وخلال ذلك يكثر من التكبير التهليل -بل من حين أن يقول: لبيك اللهم بحجة، في اليوم الثامن، لا يقطع التلبية أبداً إلا عند أول حصاة في رمي جمرة العقبة- ثم يذهب إلى نمرة ويصلي فيها الظهر والعصر جمعاً وقصراً، وذلك مع الناس بعد أن يسمع الخطبة، أما الذين لا يستطيعون أن يذهبوا إلى مسجد نمرة، ولا يسمعون الخطبة فإنهم ينتدبون لهم خطيباً يخطب لهم، فيخطب فيهم ويصلي بهم الظهر والعصر جمعاً وقصراً، ولكن السنة والأفضل أن يذهب إلى نمرة ويجلس فيها إلى أن يصلي الظهر والعصر فإذا انتهى من الصلاة اذهب إلى عرفة، وخلال ذلك فليلزم السكينة والوقار، فيستغفر الله ويذكره، ويكثر من قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(خير ما قلت أنا والنبيين قبلي)، وذكر هذا الذكر.
ويكثر من الدعاء والتضرع لله سبحانه وتعالى، وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فإن ذلك من النصيحة لله، وقد ورد في صحيح مسلم:(الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم)، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:(من رأى منكم منكراً فليغيره)، بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالرفق واللين، فإذا نصح المسلم فليكن هيناً ليناً، فتدعو إلى الله وينصح حتى وإن قيل له: لا جدال في الحج، فليقل قولاً معروفاً، ولا ييأس، والمقصود بلا جدال في الحج: لا جدال على باطل، أما هذا الجدال فهو حق، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(الجدال المنبوذ الجدال على باطل)، أما الجدال على الحق فإنه لا ينتهي إلى يوم القيامة.
ثم بعد ذلك يهذب إلى جبل الرحمة إن استطاع ووجد إلى ذلك سبيلاً -ولا يجب عليه أن يصعد الجبل- فإن لم يستطع أن يصل إلى ذلك فمن السنة أن يستقبل القبلة ويدعو الله بما شاء، والأفضل ألا يقترب من أحد، كامرأته أو ابنه أو أخيه أو غيرهم؛ ليخلو بربه، وهؤلاء قد يشغلوه عن الدعاء والتضرع.
فليدع الله وليتضرع بين يديه.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو الله على راحلته، وهذه هي السنة، فلو استطاع أن يحمل كرسياً ليقعد عليه وقت الدعاء فهذا أفضل؛ لأن هذا سيكون أيسر حتى يطيل في الدعاء، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو طويلاً وهو على ناقته، وخطام الناقة يسقط منه فيأخذ بيده والأخرى مرفوعة إلى السماء.
فليدع الإنسان ربه طويلاً، ولا يتوان في الدعاء، فهذا الموقف هو موقف استجابة الدعاء، وموقف المباهاة بعباد الله، وموقف عتق من النيران.