ومفطرات الصيام كثيرة: الأكل والشرب, فإذا أكل المرء أو شرب أفطر بذلك، لقول الله تعالى:(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:١٨٧]، أما إن كان عامداً اختلف العلماء فيه على أقوال ثلاثة أرجحها: أن عليه أن يستغفر الله جل وعلا ويقضي يوماً.
وإذا أكل أو شرب ناسياً فلا قضاء عليه، والإمام مالك يخالف الجمهور في هذا، والجمهور يحتجون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، وقوله تعالى:{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة:٢٨٦]، وفي الحديث القدسي:(قال: قد فعلت, قد فعلت)، والإمام مالك وجه الحديث بقوله: رفع عنهم الإثم ولكن يجب عليهم القضاء, واعتمد على قاعدة قعدها العلماء, وهي: كل مطلوب لا يسقط بالنسيان وإن رفع الإثم فيه, وكل منهي عنه يسقط بالنسيان ويرفع عنه الإثم.
فمثلاً: النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكلام في الصلاة، ومع ذلك تكلم رجل, ففعل منهياً عنه, فلما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم أخذه فعلمه أن الصلاة لا يصح فيها كلام الناس، ولم يأمره بالإعادة, فصحت الصلاة مع فعله منهياً عنه, ورفع عنه الإثم ولم يطالب بشيء.
أما في الواجبات: فإذا نسي المرء الركوع في الركعة, فلا تصح ركعته، ويرفع عنه الإثم, لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، لكن لابد عليه أن يأتي بالركوع لتصح الركعة, فهذا هو الذي ارتكز عليه الإمام مالك، فقال: رفع عنه الإثم لكن عليه القضاء, ونحن نقول: هذه القاعدة تسقط أمام صريح حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من أكل أو شرب ناسياً فلا قضاء عليه فإنما أطعمه الله وسقاه)، وهذا نص صريح في محل النزاع.