للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شُبه المجيزين للموالد، والرد عليها

وحتى ندحض شبه هؤلاء المبتدعة نقول: بعد إمعان النظر وجدنا أن لهم شبهاً يتشبثون بها، فمن هذه الشبه: الشبهة الأولى: قالوا: الاحتفال بالمولد النبوي بدعة، لكنها بدعة حسنة.

وهذه شبهة أوهى من بيت العنكبوت، والرد عليها هين، فإن النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم قال: (كل بدعة ضلالة).

و (كل) هنا نص في العموم، سواء كانت بدعة حسنة، أو سيئة عندكم، فكلها ضلالة.

(وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).

فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي البدعة ضلالة، وهم يقولون: هناك بدعة حسنة! فقد خالفوا رسولهم صلى الله عليه وسلم، فليتقوا الله وليعظموه، وليعظموا قوله: (كل بدعة ضلالة)، وقوله: (من أحدث في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد).

أي: باطل، وهذا الاحتفال ليس منه، وما فعله الصحابة الكرام، ولا فعله رسول الله ولا أمر به، فهو ليس من الدين، بل هو بدعة، وكل بدعة ضلالة.

الشبهة الثانية: وهذه شبهة تحتاج إلى إعمال نظر، فقد قالوا: قد فعل النبي صلى الله عليه وسلم احتفالاً شكراً لله على مننه، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم دخل المدينة فوجد اليهود يصومون عاشوراء، فسألهم عن هذا الصيام؟ فقالوا: يوم نحتفل به -فالاحتفال على منة الله شكراً لله- لأنه يوم نجى الله فيه موسى من فرعون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن أولى بموسى منكم).

فاحتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك اليوم بأن صامه، شكراً لله على نجاة موسى عليه السلام.

فنقول: نعم، هذا حقيقة، ولن نتحدث معهم فقهياً، هل صوم يوم عاشوراء كان قبل ذلك في مكة أم لا؟ وذلك للخلاف المشهور.

ولكن نتنزل معهم فنقول: الرد عليهم من وجهين: الوجه الأول: من الذي فعل ذلك؟ أليس هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ورسول الله -على قول بعض الأصوليين- مشرع، وعلى قول جمهرة من أهل الأصول هو ناقل للشرع.

فإذا صام بوحي من الله جل وعلا فهل يكون ذلك بدعة؟ حاشا لله! وإنما هذه أصبحت سنة، وأصبح شرعاً أوحاه الله إلى رسول ففعله، فنحن نقتدي برسول الله؛ لأن هذا وحي من الله وهو شرع، ثم هل رسول الله احتفل وجمع الناس وأطعم الطعام كما يفعلون؟ فالفارق بين صيام النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عاشوراء وبين فعلهم بعيد؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا بوحي من الله، وهم فعلوه بوحي من الشيطان، والفارق كما بين السماء والأرض، فرسول الله إذا فعل فقد سن، وهذه سنة لا بد أن نتبعها.

الوجه الثاني: نتنزل معهم أيضاً فنقول لهم: إذا كان قد احتفل رسول الله، فنحن نقول لكم: احتفلوا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم كما احتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بنجاة موسى، لكن لا تتعدوا احتفاله.

فكيف احتفل صلى الله عليه وسلم؟ صام، فصوموا أنتم يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم احتفالاً، ولا تتعدوا احتفال النبي صلى الله عليه وسلم، حتى تكونوا قد اقتديتم برسول الله، بل ولكم في ذلك أصل من الشريعة، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الإثنين، فسئل عن ذلك فقال: (ذلك يوم ولدت فيه).

فاحتفل بمولده في كل السنين، لكن بالصوم بنية الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، ولك في ذلك أصل من الدين، ولن تكون مبتدعاً، بل ما تعديت ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وما احتفل به.

الوجه الثالث: أن الصحابة رضوان الله عليهم لو كانوا فهموا من النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا احتفالاً، وأنه يصح لهم الاحتفال بمولده، وإطعام الطعام والاجتماع في المساجد ونثر القصائد والمدائح لفعلوا ذلك؛ وهم أولى بكل خير، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.

الشبهة الثالثة: جاء في الصحيحين أن أبا لهب لما بشر بمولد محمد صلى الله عليه وسلم أعتق سهيلة أمة له، فرآه بعض أهله في رؤيا فقالوا: ما فعل الله بك؟ قال: ما رأيت خيراً منذ فارقتكم، إلا أن الله خفف علي بعتقي بـ سهيلة، أو بعتقي لهذه الأمة.

فقالوا -وانظروا إلى دقة النظر، وشبه إبليس-: هذا كافر احتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم فأعتق أمته، فشكر الله له هذا الاحتفال فخفف عنه العذاب، فكيف بالمسلمين؟! وهذه شبهة شديدة شيطانية.

ونجيب عليها من أوجه: الوجه الأول: من الذي روى هذا الحديث؟ أليس الصحابة رضوان الله عليهم هم الذين رووا هذا الحديث؟ فهل هم أفقه بهذا الحديث من الصحابة؟! فلو فقه الصحابة من هذه الرواية أنه يصح الاجتماع والاحتفال بالنبي صلى الله عليه وسلم لفعلوه، وعلى هذا نقول لهم: عندما لم يفقهوا ذلك يلزمكم أمران: الأمر الأول: أنهم أفقه من الصحابة، فهل يقرون بهذا؟ فلو أقروا فقد كذبوا وأتوا بهتاناً وزوراً! فإن هؤلاء أنزل الله عدالتهم من السماء.

الأمر الثاني: أنهم أجهل من الصحابة، وهذا هو الحق.

إذاً يسعهم ما وسع الصحابة، والصحابة لم يفعلوا ذلك.

الوجه الثاني: أن أبا لهب لم يعتق جاريته لكونه محمد رسول الله، وإنما أعتقها لأنه بشر بولد، وإلا فهو لما بعث رسول الله عاداه وكفر به.

فإذاً: كان عتقه للولد لا للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن أهل الجاهلية كانوا يكرهون البنات، ويئدون البنات، فلما بشر بولد أعتق للولد، لا لأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيرجع الأمر إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشرع هذا.

فإذاً: قياسهم هذا قياس مع الفارق.

الوجه الثالث: نتنزل معهم، ونقول: إن الله قد خفف له ذلك لاحتفاله، فهل كل عام يأتي بعبد ويعتقه؟! أو كان يأتي بأمه يعتقها لوجود النبي صلى الله عليه وسلم؟! ما حدث ذلك، فأنتم خالفتم حتى الكافر.

فقياسكم مع الفارق، فأنتم كل عام تقفون وتجتمعون من أجل هذا الاحتفال، فأصبح القياس قياساً مع الفارق، بل هو قياس باطل.

الوجه الرابع: أنها رؤية منام، والأحكام الشرعية لا تؤخذ من المنام.

<<  <  ج: ص:  >  >>