للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من مواقفه مع الحكام]

من مواقفه الجريئة في الصدع بالحق أنه جاء إلى السلطان الناصر وحثه على القدوم إلى الشام لمواجهة التتار وقال له: إن تخليتم عن الشام ونصرة أهله والذب عنهم فإن الله تعالى يقيم لهم من ينصرهم غيركم، ويستبدل بكم سواكم، وتلا قوله تعالى: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:٣٨]، وبلغ هذا الكلام الشيخ ابن دقيق العيد فاستحسن هذا الكلام وأعجبه هذا الاستنباط، وتعجب من مواجهة ابن تيمية للحكام والسلاطين.

ووشي بـ شيخ الإسلام إلى السلطان الناصر، فاستدعاه وقال: بلغنا أنك تراسل التتار، وتحاول الاستيلاء على الحكم، فصرخ الشيخ في وجهه قائلاً: أنا أبحث عن الحكم يا مسكين! والله إن ملكك وملك أبيك وملك المغول لا يساوي عندي فلسين، قال ذلك للسلطان في وجهه، والحاشية من حوله؛ فخضعوا لهيبة هذا الشيخ العظيم رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

وهو الذي ذهب بالنيابة عن أهل الشام لمواجهة السلطان قازان سلطان الدولة المغولية عندما قدموا لاحتلال الشام، وحاولوا أن يأتوا إلى مصر، فذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وأغلظ له في القول، وقال: أنت تزعم أنك مسلم وأبوك وجدك كانا مشركين، وصدقا معنا، ووفيا بعهودهما، وأنت ما وفيت، فلما قدم له الطعام أمسك شيخ الإسلام عن الأكل فقال له السلطان متلطفاً: لماذا لا تأكل أيها الشيخ؟ قال: كيف آكل وقد قطعتم أشجار الناس فأنضجتم عليه الطعام، وسرقتم الدقيق واللحوم لتأكلوها من أموال الناس بالباطل؟! فعظم في عين السلطان المغولي ونزل على إرادته، يقول من كانوا بحوزته من المراسيل: فكنا نرفع ثيابنا لتوقعنا أن تتناثر دماؤه علينا، فلما خرجوا من عنده غلظوا عليه، وقالوا له: لقد عرضت نفسك للهلاك وعرضتنا معك، سنفارقك، فقال لهم: وأنا أيضاً أفارقكم، فأخذ من طريق فنجاه الله، وساروا هم في طريق آخر فخرج عليهم قطاع الطريق واللصوص فشلحوهم وأخذوا ما معهم حتى جردوهم من ثيابهم! فالذي يعمل لله تبارك وتعالى يكون في كلأ الله وحفظه ومعيته، ويكون في حفظ الله تبارك وتعالى، قال الله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:٦٧].

وكان قطلوبك واحداً من أمراء المماليك الظلمة يأكل أموال الناس بالباطل فجاء رجل فقير إلى شيخ الإسلام ابن تيمية يستعديه على هذا الأمير الجبار، فذهب معه شيخ الإسلام فقال له قطلوبك: إذا رأيت الأمير على باب الفقير فنعم الأمير ونعم الفقير، وإذا رأيت الفقير على باب الأمير فبئس الفقير وبئس الأمير، وأنت رجل زاهد أرسل لي وأنا آتيك، فقال له شيخ الإسلام ابن تيمية: قطلوبك! لا تعمل عليَّ دركواناتك -يعني خدعك-، كان فرعون أنحس منك، وكان موسى يأتيه مرات يذكره بالله، وكان موسى خيراً مني، ولم يتكبر على أن يأتي باب فرعون، وأنا آمرك أن ترد إلى هذا الرجل ماله؛ فاستجاب لرغبة شيخ الإسلام رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>