[ما حدث بين أبي بكر وعمر من خصومة وموقف النبي منها]
إن الفاروق عمر بن الخطاب والذي قال فيه ابن مسعود: لم نعرف العزة إلا بعد إسلام عمر رضي الله عنه وأرضاه، والذي نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(إذا سلك عمر فجاً سلك الشيطان فجاً آخر) والذي كان يسير في الطريق فظهر له شيطان، فتصارعا فصرعه عمر رضي الله عنه وأرضاه، فهو أشد الأمة في الحق وفي الدين، ومع ذلك لما حدث أمر بينه وبين أبي بكر، أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلم الأمة أن منزلة أبي بكر لا تدانيها منزلة.
كانت بين أبي بكر وبين عمر مشادة وأغلظ أبو بكر على عمر، فغضب عمر من أجل شدة أبي بكر، ثم إن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه ذهب يستسمحه فلم يسمح له, فذهب أبو بكر إلى رسول صلى الله عليه وسلم، فرجع عمر بعدما ندم, فذهب إلى بيت أبي بكر فقال: أثم أبو بكر؟ فقيل له: لا، فعلم عمر أن أبا بكر ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان أبو بكر قد ذهب إلى المسجد، فدخله ورفع ثوبه فظهرت ركبته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم -وهو ينظر إليه متعجباً-: (أما صاحبكم فقد غامر) فقص على النبي صلى الله عليه وسلم القصة, فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أبي بكر، ولأنه أمرنا أن ننزل الناس منازلهم, وتطبيقاً لقوله صلى الله عليه وسلم في أبي بكر:(لا يعرف لأهل الفضل فضلهم إلا أهل الفضل) والذي بين فيه مكانة أبي بكر عند العامة والخاصة، فلما جاء عمر نظر النبي صلى الله عليه وسلم إليه مغضباً، فعلم أبو بكر أنه سيشتد على عمر لا محالة, فجثا على ركبتيه شفقة عليه وقال: والله يا رسول الله لقد كنت أنا أظلم.
لكن رسول الله أحب أن يبين لهذه الأمة تأصيلاً لا بد منه، وأن يطبقه واقعاً في هذه الأمة حتى تعيش في مستوى القيادة والريادة والسيادة, هذا التأصيل والهدي النبوي لابد من أن نحذو حذوه, وأن نعرف لكل إنسان قدره, وأن نضع كل إنسان في مكانه المناسب، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يعلن للأمة أن خلافتها في أبي بكر فقام النبي صلى الله عليه وسلم مغضباً على عمر وظهر ذلك في وجهه ووجنتيه، وقال:(هل تركتم لي صاحبي) مع أن عمر من أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو وزير للنبي صلى الله عليه وسلم, ولما مات عمر رضي الله عنه وأرضاه قام علي يبكي ويقول: أبشر يا أمير المؤمنين، والله ما كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ويقول:(جئت أنا وأبو بكر وعمر، وذهبت أنا وأبو بكر وعمر)، حتى أنه لما ذكر علامات الساعة كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة، قال صلى الله عليه وسلم:(ركب رجل على بقرة) أي: حملته (فنظرت البقرة إليه فقالت: ما خلقت لهذا، إنما خلقت للحرث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم -وهو ينظر إلى أصحابة متعجبين من تكلم البقرة-: أنا أؤمن بذلك) -يعني: بتكلم البقرة- وأبو بكر وعمر).
الغرض المقصود أن عمر له منزله كبيرة عند النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك أبا بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه, فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين مكانة أبي بكر وفضله؛ تطبيقاً للهدي النبوي فقال:(هلا تركتم لي صاحبي قلتم: كذب، فصدقني وواساني بأهله وماله) فقال الراوي: والله ما وجد أبو بكر على أحد بعد هذه المقالة, وما تجرأ أحد أنه يقف أمامه رضي الله عنه وأرضاه بعدما بين النبي صلى الله عليه وسلم منزلته بين الناس.