[الاستعداد للحج بالتوبة ورد المظالم والديون لأصحابها]
إذا استعد المرء استعداداً تاماً للحج فعليه أمور لا بد أن يقدمها قبل أداء الحج، ومنها: رد المظالم، سواء الظلم بالمال، أو الظلم للنفس، أو الظلم للغير.
والعبد يظلم نفسه بالتجرؤ على حدود الله، فعلينا أن نستعيذ بربنا على أنفسنا وعلى الشيطان، ونؤمل خيراً، فربنا غفور رحيم كما في مسند أحمد:(أن رجلاً أذنب ذنباً وقال: رب عبدك أذنب ذنباً وجاء يستغفر، فقال الله جل وعلا: عبدي علم أن له رباً يأخذ بالذنب ويغفره، أشهدكم أني قد غفرت له، ثم عاد فأذنب نفس الذنب ثم استغفر فغفر له)، فالعبد المؤمن خلق مفتناً تواباً، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(باب التوبة مفتوح إلى يوم القيامة) أو كما قال.
فأول شيء على الحاج: أن يرد المظالم، ويترك الظلم، ويتوب التوبة النصوح، قال الله تعالى:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور:٣١]، وقال جل في علاه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}[التحريم:٨] فالله جل وعلا يرغبنا في التوبة في كل وقت وحين، وأشد ما يحتاج المرء إلى التوبة عندما يذهب إلى حج بيت الله الحرام، فيتوب من ظلمه لنفسه، ويرد المظالم إلى أهلها، ويتوب من ظلم غيره.
وما منا أحد إلا وقد تعدى على أخيه بالنميمة أو بالغيبة أو بالسب أو بالقذف أو بأكل ماله بالباطل، أو بأكل الربا، أو بالسرقة، وظلم العبد لغيره أشد ما يكون عليه يوم القيامة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(من كان له عند أخيه مظلمة فليتحلل منه اليوم، فيوم القيامة ليس ثمة درهم ولا دينار وإنما هي الحسنات والسيئات) أو كما قال، فإذا تعديت على إنسان فيوم القيامة لو دفعت له ملء الأرض ذهباً أو فضة لن يرض بها، لكن يؤخذ من حسنات الظالم وتوضع في كفة المظلوم، أو تؤخذ من سيئات المظلوم وتلقى على كفة الظالم، والعياذ بالله.
وفي مسند أحمد بسند صحيح عن عائشة مرفوعاً:(لله ثلاثة دواوين: ديوان لا يتركه أبداً، وديوان لا يغفره أبداً، وديوان في مشيئته)، أما الديوان الذي في مشيئته فهو ظلم العبد لنفسه بالمعاصي، والتجرؤ على حدود الله، ورحمة الله سبقت غضب الله جل في علاه، وأما الديوان الذي لا يغفره الله أبداً فهو ديوان الشرك، ونعوذ بالله من الشرك والشقاق والنفاق، أما الديوان الذي لا يتركه الله أبداً، فهو المظالم.
أخي الحاج! لا بد أن تذهب للحج نظيفاً طيباً ترجو المغفرة، وترجو أن ترجع من ذنوبك كيوم ولدتك أمك، فلابد أن ترد المظالم لأصحابها، وإذا كان في قلبك شحناء على أحد فاتصل به، وإن استطعت أن تدعو له كثيراً قبل أن تتصل به فهذا أفضل، وتحلل منه، وإن كان له عليك حق فلا بد أن تسارع بأن تعطيه حقه، فالسرعة في التوبة من علامات قبول الحج.
والأحاديث في تحريم الظلم كثيرة، منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).