[صحة حديث إرضاع الكبير والرد على من طعن فيه]
ومن الأحاديث التي طعنوا فيها حديث رضاع الكبير، فقالوا: إن هذا الحديث موضوع ولو كان في البخاري، فمن البخاري؟ قالوا: والدلالة على الوضع هو المتن، فـ سالم مولى أبي حذيفة يرضع من امرأة تكبر عنه أو تكون موازية له، المهم أنه شاب وهي امرأة كبيرة قد يشتهيها فتكشف له عن ثديها وترضعه منه، فهذا فيه دلالة كبيرة على الوضع، قالوا: لأن أصول الشريعة ترد هذا الكلام لا سيما وأن الشيخ الفلاني -وهو من الشيوخ والأفاضل- قال: بأنه لا بد أن يرضع من ثديها ويلتقمه في فمه.
كما استدلوا بقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا} [النور:٣٠]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ علي بن أبي طالب اصرف بصرك، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يشج أحدكم بمخيط على رأسه خير له من أن يمس امرأة)، وهنا لن يمس فقط بل سيرضع، وهو أجنبي عنها فكيف يرى عورتها؟ إن التكفيريين أيضاً يردون حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (نوفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم)، وهذا الحديث في مسلم فعندما تقول له: هذا رجل دخل بأمان كيف تقتله؟ كيف تتجرأ عليه؟ فيقول: أهل كفر أعملوا في الأرض الفساد، هؤلاء أيضاً من الذين وقفنا لهم وقلنا: سبحان الله لو تعلمتم ما سفكتم من الدماء التي حرمها الله جل في علاه، ولما تجرأتم على ذلك.
أيضاً: أخذ الأموال بغير حق، والتهاون فيها، فمن الناس من يبين له أنه إن فعل كذا فعليه دم فيتساهل في ذلك؛ لأنه من السهل عليه أن يفدي، وهذا من الاستخفاف بدين الله جل في علاه، والسبب هو الجهل، فلو تعلموا ما اجترءوا على هذه المسائل، ولرجعوا إلى حضيرة الإيمان، وجعلوا الدين هو الذي يسيرهم وليس الهوى والعاطفة والحماسات والثورات.
وأما الذين طعنوا في أحاديث البخاري فعلينا أن ندعو لهم بالهداية، ونحن أصلاً لسنا بصدد العداوة لهم، ونبين أخطاءهم المؤدية إلى الهلاك.
فلو تأثر العامة بهذا الكلام، وطرحوا أحاديث في البخاري، وطعنوا في قيم ثابتة من الدين، وطعنوا في رجالاتنا الذين هم قدوتنا، والذي هم أسوة لهذه الأمة بأسرها، فإن ذلك يعني الطعن في الدين.
ونحن والله لا نرضى الدنية في ديننا، فلا بد أن ندافع عنه بالدفاع عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيمه وعلينا أن نقول: سمعنا وأطعنا، وحبنا للنبي يجعلنا نقول: حديث النبي صلى الله عليه وسلم فوق رءوسنا، وكلام الناس خلف ظهورنا؛ لأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم وحي، فلا بد أن نعتز بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، ونعتز بثوابتنا وأصولنا، وندعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وليسمع من يسمع، وليعزف من يعزف، فإن الله جل في علاه قال: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال:٤٢]، {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النور:٥٤] فما على المسلم إلا أن يبلغ.
والبعض ممن ينتمي إلى أهل السنة قال في مسألة رضاع الكبير: يرضع من ثديها، وهذا الذي جعل الحرب الشعواء تشن على أهل السنة حتى من كثير من النصارى، وبعض المؤلفين يقول: إن هذا طعن في الإسلام، كيف يكشف الرجل عن عورة المرأة ثم نقول هذا محرم عليها بعد ذلك؟ لكننا سوف نبين الحقيقة، فمن أخذ بها فله ذلك، ومن لم يأخذ بها فما علينا إلا البلاغ، وهذا الذي نملكه.
إن صحيح البخاري قد تلقته الأمة بالقبول، فمن طعن فيه فقد شذ عن الأمة، وشذ عن الإجماع، فالإجماع على أن أصح كتاب بعد كتاب الله هو صحيح البخاري، ومن زعم أنه يحتوي على أحاديث موضوعة أو ضعيفة فقد خالف الإجماع بذلك، وأراد هدم الدين، فأسانيد البخاري كلها سلاسل الذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وديننا دين إسناد ومن طعن في هذه الأسانيد فقط طعن في ديننا، أما رضاع الكبير فإنه يحرم، والرضاع من الثدي مباشرة قال به الشيخ الألباني بصراحة، وهو علامة الشام ولكنه أخطأ في ذلك، ولا معصوم إلا النبي صلى الله عليه وسلم، حتى نبين للناس أننا لا نتبع ولا نعظم الأشخاص، وإنما نعظم النبي صلى الله عليه وسلم، ونعظم الوحيين، فنرد هذا الخطأ بلطف، ونقول: الحق أحب إلينا، والحق إذا جاء من رجل كائن من كان نأخذه على رءوسنا ونتبعه، ومن أخطأ منا ثم ظهر له الحق فليقل بقلب راسخ: لأن أكون ذنباً في الحق خير لي من أن أكون رأساً في الباطل، وهذا هو الإنصاف.
إننا ندافع عن البخاري ولا بد أن ندافع عنه، حتى يستطيع طلبة العلم أن يردوا على هذه الشبه، وهذه الشبه ثلاث: شبهة حول رضاع الكبير، وشبهة حول زواج عائشة وهي بنت ست سنوات، وشبهة حول سحر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك حديث الذباب وشق الصدر وغير ذلك، فالشيخ الألباني ذكر قاعدة قوية وهي: أن الله جل وعلا إذا أباح شيئاً فقد أباح وسيلته -وهذه قاعدة صحيحة- فإذا جعل الشرع رضاع الكبير ليحرم فوسيلته مباحة، فلن يرضع إلا بكشف الثدي، وتقدر هذه القضية بقدرها، فلا يظهر منها إلا الجزء الذي سيلتقمه ويرضع منه، ولا ينظر إلى كل الثدي ولا يمسه كله، وإنما يمس المكان المقصود فلما سمع البعض هذا الكلام تغنوا به وطعنوا به في البخاري، ولو أرادوا الحق ما فعلوا ذلك، ولتأدبوا مع البخاري، وقالوا: هذا الحديث لا تدركه عقولنا، وقد قاله النبي صلى الله عليه وسلم ولا نعلم بما قاله، ويكفوا عن ذلك، أو يرجعوا إلى العلماء أدباً؛ حتى يتبين لهم صحة حديث النبي صلى الله عليه وسلم بدلاً من الطعن في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة، وتنفير الناس عن البخاري ومسلم، ولكن هذه بغية مقصودة.
إن العلم يجعل الناس على الميزان الصحيح، ولما تبين الحق لبعض الذين يطعنون في ديننا رجعوا إلى الحق.