للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم الكفر لا يثبت إلا بتوافر شروط وانتفاء موانع]

التأصيل الرابع: أن موجب الكفر أو حكم الكفر لا يثبت إلا بتوفر الشروط وانتفاء الموانع، وإذا ثبتت الشروط وجب أن يكون حكم الكفر موجوداً، لكن بشرط أن تنتفي الموانع، ومثال ذلك: رجل ثبت في حقه الكفر، فقال مثلاً: لا صلاة عصر في اليوم والليلة، والمفروض على الناس أربع صلوات فقط لا خامس لها، فهو أتى بمكفر؛ لأنه أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، لكن ننظر في هذه الشروط، فإن توفرت فهو كافر، وننظر في الموانع فقد يكون من أدغال أفريقيا لا يعرف حتى إن الله جلا وعلا افترض على عباده صلاة أو صياماً، أو جاهلاً لا يقرأ ولا يسمع ولا يعرف أي شيء، فهذا مانع يمنعني من تكفيره، أو يكون الرجل مجتهداً فيقول: إن الله لم يستو على عرشه، وينفي صفة الاستواء، فعلينا أن ننظر في كلامه، هل هو عالم من العلماء، اجتهد ونظر في الأدلة فوصل اجتهاده إلى هذا الخطأ، فنقول: هذا مخطئ مجتهد وله أجر، ولا يمكن أن يكفر بذلك، حتى تنتفي الموانع وتتوفر الشروط، وإن توفرت الشروط ولم تنتف الموانع، فإنا لا نكفر.

ومثال ذلك وأوضح ما يقال في هذا: المسلم الذي يقتل المسلم متعمداً، فذلك شرط في حكم الكفر، فإن الذي يقتل مؤمناً متعمداً حكمه الخلود في النار، والخلود في النار لا يكون إلا لكافر، فهنا توافر الشرط، لكن بقي علينا أن ننظر انتفاء المانع، فننظر هل الموانع موجودة أم لا؟ أرى أن الموانع جاءت مجيشة تبين أن المسلم إذا قتل مسلماً ولو متعمداً لا يخلد في نار جهنم، مع أن الله قال: {خَالِدًا فِيهَا} [النساء:٩٣].

فنقول: هذا حكمه وعاقبة أمره إن جوزي به كما قال أبو هريرة: فالمقتضي للحكم هو قتل المسلم تعمداً، فإذا قتل المسلم متعمداً فهذا سبب لخلوده في النار، لكن يأتي المانع فيدفع هذا السبب، والمانع هنا: هو كلمة لا إله إلا الله، لأن من قال: لا إله إلا الله نفعته يوماً من الدهر، ودخل بها الجنة، ولا تكون لا إله إلا الله مانعة إلا إذا صلى، فنقول: لا إله إلا الله جاءت مانعةً من خلود من قتل مسلماً متعمداً في النار؛ لأن حكم من قتل مسلماً متعمداً أنه يخلد في نار جهنم، لكن جاء المانع فدفع هذا السبب، فإن توفر الشرط ووجد المانع فلا بد أن ينتفي الحكم.

فهذا هو التأصيل الرابع الذي لا بد أن يصاحب طلبة العلم، ولا بد أن يحفروا ذلك في صدورهم، ويعلموا أن من تجاسر على تكفير أحدٍ فهو إلى بوار وهلاك، وأن التكفير حق محض لله لا يجرؤ عليه إلا جريء، ولا بد أن يعلم أولاً أنه من لوازم ربوبية الله، ومن نازع الله في ربوبيته فهو على شفا هلكة.

والأمر الثاني: أن هناك فارق بين تكفير النوع والمعين.

والأمر الثالث: أن من ثبت إيمانه بيقين فلا يزول بالشك بحال من الأحوال.

الأمر الرابع: حتى نكفر أحداً لا بد من توافر شروط وانتفاء موانع.

إذاً: فيصعب ذلك جداً وتضيق دائرة التكفير جداً حتى على العلماء المجتهدين، إلا من نور الله بصيرته واجتهد اجتهاداً عالياً فأقام الحجة، وأزال الشبهة عمن قد ثبت إيمانه بيقين وأتى بمكفر ثم بعدما أقيمت عليه الحجة وأزيلت الشبهة فيكفر بذلك، فلابد لها من عالم مجتهدٍ نحرير، وليس لأحد أن يتجاسر على هذا الأمر، ولو تجرأ عليه فهو على شفير هلكة فهذا التأصيل لا بد أن يصاحب طالب العلم في حله وترحاله، وقد أكدت عليه وقررته وكررته لأن من وقع في هذا الباب فقد وقع في مذلة، ومن وقع فيه فقد وقع في خطر عظيم، إذاً فحكم من قال: إن القرآن مخلوق أنه كافر، وهذا تكفير مطلق، ولا نكفر بالعين إلا بدليل واضح بين.

<<  <  ج: ص:  >  >>