للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثباته وقوته في الحق]

أما ثبات ابن تيمية فمن الصفحات المشرقة في حياته، فقد كان ذا شخصية قوية، ونفس لا تهاب الصعاب يقف أمام السلاطين، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: وعلم الله ما رأيت أحداً أطيب عيشاً منه مع ما كان فيه من ضيق العيش، وخلاف الرفاهية والنعيم، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاص، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشاً، وأشرحهم صدراً.

يقول خادمه: ثم بعد أيام جاء عند الشيخ شمس الدين بن سعد الدين الحراني، وأخبره أنهم يسفرونه إلى الإسكندرية، -أي: الأمراء- وجاءت المشايخ التدامرة -نسبة إلى تدمر بلدة بالشام- وأخبروه بذلك، وقالوا له: كل هذا يعملونه حتى توافقهم وهم عاملون على قتلك أو نفيك أو حبسك، فقال لهم: أنا إن قتلت كانت لي الشهادة، وإن نفوني كانت لي هجرة، ولو نفوني إلى قبرص لدعوت أهلها إلى الله وأجابوني، وإن حبسوني كان الحبس لي معبداً وأنا مثل العنز كيفما تقلبت تقلبت على صوف! هذه كلمات تلاميذ الأنبياء! فيئسوا منه وانصرفوا، ثم ذكر أنه لما ركب مع نائب السلطان قال له أحد تلامذته: يا سيدي هذا مقام الصبر! فقال له ابن تيمية: بل هذا مقام الحمد والشكر، وإنه نازل على قلبي من الفرح والسرور شيء لو قسم على أهل الشام ومصر لفضل عنه، ولو أن معي في هذا الموضع ذهباً وأنفقته ما أديت عشر هذه النعمة! يقول الإمام الذهبي مؤرخ الإسلام: كان قوالاً بالحق نهاءاً عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم، ذا سطوة وإقدام وعدم مداراة.

<<  <  ج: ص:  >  >>