للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شجاعته]

أما شجاعة شيخ الإسلام ابن تيمية فيضرب بها المثل، يقول الحافظ سراج الدين: كان إذا ركب الخيل يجول في العدو كأعظم الشجعان، ويقوم كأثبت الفرسان، وينكي العدو من كثرة الفتك بهم، ويخوض بهم خوض رجل لا يخاف الموت.

فليس شيخاً يقرر في مجالس العلم اجتهادات واختيارات فقهية، وإنما يخرج إلى ساحة الورى يحمل روحه على راحته ليكون قدوة للعالمين، هكذا يكون طالب العلم، ويكون العالم الرباني، إنه يصول ويجول في سبيل نصرة دين الله تبارك وتعالى بكل ما أوتي من قوة باللسان أو بالسنان.

ومن أعظم مواقفه: أنه قاد الأمة يوم وقعة (شقحب) التي انكسر فيها التتار كسرة عظيمة، يقول أحد أمراء الشام: قال لي شيخ الإسلام ابن تيمية يوم وقعة (شقحب) مع التتار ونحن بمرج الصفر وقد تراءى الجمعان: يا فلان أوقفني موقف الموت، قال: فسقته إلى مقابلة العدو وهم منحدرون كالسيل تلوح أسلحتهم من تحت الغبار المنعقد عليه، ثم قلت له: يا سيدي هذا موقف الموت، وهذا العدو قد أقبل تحت الغبرة فدونك وما تريد، قال: فرفع طرفه إلى السماء، وأشخص بصره، وحرك شفتيه طويلاً، ثم انبعث وأقدم على القتال، وأما أنا فخيل إليّ أنه دعا عليهم، وأن دعاءه استجيب منه في تلك الساعة، قال: ثم حال القتال بيننا وما عدت رأيته حتى فتح الله ونصر، وانحاز التتار إلى جبل صغير، قال: وإذا أنا بالشيخ وأخيه يصيحان بأعلى صوتيهما تحريضاً على القتال، وتخويفاً للناس من الفرار، فقلت: يا سيدي لك البشارة بالنصر، فإنه قد فتح الله ونصر وهاهم التتار محصورون في هذا الوادي، فقال: إن شاء الله يأخذهم الله عن آخرهم، وحمد الله وأثنى عليه! هكذا يطلب من الأمير أن يوقفه في موقف الموت، فيقول: أوقفني موقف الموت! رجل صادق يبحث عن الشهادة في سبيل الله تبارك وتعالى، لم يخرج مع الجيوش رياء وسمعة، ولم يتخف في بنيات الطريق، وإنما وقف على قمة الجيش يبحث بصدق عن الموت في سبيل الله تبارك وتعالى، لكن الله عز وجل ادخره لهذه الأمة ليواصل المسيرة الحضارية العلمية العظيمة التي أحيا بها ما اندرس من علوم السلف الصلحاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>