للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ترجيح القول بعدم جواز القراءة للحائض]

الراجح الصحيح هو قول الجمهور، والذي ينص على أن المرأة التي تقرأ القرآن وهي حائض آثمة عاصية لله جل وعلا، وأنها تستحق العقاب بقراءتها للقرآن وهي حائض؛ لأن الأدلة واضحة ظاهرة جداً على التحريم، ومنقاشة الأدلة التي استدل بها الجمهور على النحو التالي: فأما بالنسبة لحديث ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه الذي في السنن، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب القرآن)، فقد رواه رواه الترمذي وابن ماجة والبيهقي والدارقطني كلهم من طريق: إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر.

وإسماعيل بن عياش ثقة في الشاميين، فهو ضابط عند علماء الجرح والتعديل، لكنه ضعيف في غير الشاميين.

وهذه الرواية صراحة هي عن أهل الحجاز وعن أهل العراق، فهو يروي عن أهل الحجاز وأهل العراق مناكير، قال البخاري: يضعف في روايته عن غير الشاميين.

وهذا الحديث أنكره أحمد، فالحديث بإسناده ضعيف؛ لأن فيه إسماعيل بن عياش أتي من قبل حفظه في غير الشاميين، لكن يمكن لنا أن نناوش في هذا الإسناد أيضاً، ونبين أن هذا الإسناد يحتمل التحسين، وأن بعض العلماء قد صحح هذا الإسناد، فيحتمل التحسين لأدلة: منها: أن إسماعيل بن عياش الذي يخشى منه الوهم والخطأ وعدم الضبط، قد جاءتنا أدلة تدل أنه قد ضبط هذه الرواية، وعلى هذا فالإسناد يرتقي إلى الحسن لغيره، قال الشيخ أحمد شاكر في شرحه على الترمذي -وبعدما ذكر أن العلماء ضعفوا هذا الحديث من قبل إسماعيل بن عياش - قال: وأكثر ما في رواية ابن عياش الخوف من الغلط فيه؛ لأنه في غير الشاميين، والمتابعة من عبد الملك بن مسلمة -وهذا وهم من الشيخ أحمد شاكر؛ لأن عبد الملك بن مسلمة ليس هو المتابع، وليس في نفس طبقة إسماعيل بن عياش وإنما هو في طبقة سابقة- قال: والمتابعة من عبد الملك بن مسلمة مع احتمال الخطأ ترفع خطأ إسماعيل بن عياش، لا سيما وأن عبد الملك بن مسلمة وثقه الدارقطني.

هذا يؤخذ على الشيخ أحمد شاكر من وجهين: الأول: أنه وهم على الدارقطني، فـ الدارقطني لم يوثق هذا الرجل، لكن الشيخ أحمد شاكر يقول كلاماً نفيساً جداً، وهو: أن الخلط في هذا الإسناد من وهم إسماعيل، وإسماعيل يمكن أن يرتفع وهمه بالمتابعة التي توضح لنا أنه لم يخطئ في ضبط هذا الحديث.

وهذا الكلام نفيس جداً لا سيما بأن الذي تابعه هو المغيرة، والمغيرة مصري ثقة ثبت، وقد وثقه علماء الجرح والتعديل، وهو الذي تابع.

إذاً: الرواية الأولى رواية ضعيفة، لكنها تحتمل التحسين لا سيما وأن المغيرة قد تابع إسماعيل بن عياش، لكن يبقى الإسناد ضعيف.

الرواية الثانية: حديث علي بن أبي طالب، وهذه الرواية بفضل الله صحيحة خلافاً لمن ضعفها، وقد صححها أكابر من أهل الحديث.

فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه قال: (لم يكن يحجب النبي صلى الله عليه وسلم عن القرآن سوى الجنابة).

رواه أحمد في مسنده، وأبو داود، والترمذي، والبيهقي، والدارقطني من طريق: شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه.

وصحح هذا الحديث الترمذي والترمذي وإن قال بعضهم: إنه متساهل في التصحيح، لكن الترمذي من المتقدمين في عصر الرواية، وهو صاعقة في الحفظ، كان أعمى، وكان أحفظ الناس في زمانه، بل من أنجب تلاميذ البخاري، ومن أنجب علماء العلل، فـ الترمذي ليس بالهين في علم الحديث، وكذلك صحح هذا لحديث: ابن السكن وعبد الحق والبغوي، وروى ابن خزيمة بإسناده عن شعبة أنه قال: هذا الحديث، أي: حديث علي بن أبي طالب ثلث رأس مالي؛ يبين صحة هذا الحديث.

وقال الدارقطني: قال شعبة: ما أحدث بحديث أحسن من هذا.

فكل هذا يدل على صحة الحديث؛ ولذلك لم ير الحافظ ابن حجر في فتح الباري إلا أن يحسن هذا الحديث، فبين أنه حديث حسن إسناده، وقال: هو من قبيل الصحيح الذي يحتج به، وهذا إسناد حسن لم يؤخذ عليه إلا عبد الله بن سلمة، وهو صدوق قد تغير في آخره.

ويعضد ذلك وهو أقوى منه: قول عمر بن الخطاب (لا يقرأ الجنب ولا الحائض القرآن).

أي: يحرم، وحتى لو قال عمر: أكره.

فمعناها: التحريم، للأدلة المتعاضدة على ذلك، فهذه أدلة تثبت لنا بأن هذا الحديث سنده صحيح.

ومن الأدلة: القياس الجلي، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد منع نفسه من أمر واجب وهو الرد على السلام؛ لأنه كان متلبساً بنجاسة.

<<  <  ج: ص:  >  >>