وقد أظهره الخليفة الثاني أمير المؤمنين معلناً إخلاصه لله جل في علاه، لا ينظر إلى أحد أبداً، فهذا عمر بن الخطاب يقف في سقيفة بني ساعدة أمام المهاجرين والأنصار فيستمع إلى الأنصار وهم يقولون: منا أمير ومنكم أمير، فيأتي عمر ويقول: قد حبرت قولاً أقوله بين يدي أبي بكر، فجاء أبو بكر فسكت عمر، ثم تكلم هو بكل ما أراد عمر فقال: منا الأمير، ومنكم الوزير، وأختار لكم أحد الرجلين، يعني: أبا عبيدة بن الجراح، وعمر بن الخطاب فأخلص عمر على ذاته ونفسه فما أراد أن يترأس ولا أراد أن يتقدم القوم، فإن الذي اختاره هو أفضل الخلق بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أختار لكم أحد الرجلين: أبا عبيدة بن الجراح أو عمر بن الخطاب، فيقول أبو عبيدة: ابسط يدك يا عمر! فاختار عمر وفي القوم أبو بكر، فيظهر عمر إخلاصه الصريح في قلبه لله، فيقول: لو قالها غيرك يا أبا عبيدة! أتقدم على قوم فيهم أبو بكر، أتقدم على أبي بكر؟ والله! لئن أتقدم فيضرب عنقي ولا أتقدم على أبي بكر!! فتحدث بإخلاصه، وعلم الله سريرته النقية، فأظهرها فنضحت على لسانه ووجهه، فقال: يا معشر المهاجرين! ويا معشر الأنصار! أما علمتم أن رسول الله ارتضى أبا بكر لدينكم، أما ترتضون أن يكون أبو بكر لدنياكم؟ قالوا: رضينا رضينا، ثم قام فقال: يا أبا بكر! ابسط يدك، فبايع أبا بكر وتتابع الناس على بيعة أبي بكر، فانظروا إلى الإخلاص؛ فقد كاد عمر يتقدم سيد الناس أجمعين بعد رسول الله، لكن الإخلاص حجمه وأحجمه وقال: لا، والله لا أتقدم على أبي بكر، وهذا إخلاص عاشوه واقعاً، ولو أردنا ما أرادوه فلا بد أن نفعل ما فعلوه، ولابد أن نسير على دربهم ونفعل مثل فعالهم.