اختلفت أنظار الفقهاء في معنى قوله:(فاقدروا له) وعلى غرار هذا الاختلاف في تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فاقدروا له) ظهر ونجم الخلاف الفقهي، فقال الحنابلة: أي: ضيقوا له، ومعنى (ضيقوا له) أي: ضيقوا عدد شعبان فلا تجعلوه كاملاً، بل اجعلوه تسعاً وعشرين، وانطلاقاً من هذا التفسير قالوا: إن صوم يوم الشك -الذي هو يوم الثلاثين- واجب إذا وجد غيم، أي: اشترطوا وجود غيم ليلة ثلاثين من شعبان يمنع من رؤية الهلال، فإن لم تستطع أن ترى الهلال فيجب صيام هذا اليوم! ولو سئلوا لم وجب صومه، والإيجاب لا يكون إلا من الشرع؟ قالوا: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فاقدروا له) أي: ضيقوا عدة شعبان، واجعلوا هذا اليوم من رمضان.
واستدلوا على ذلك بأدلة أخرى كحديث فاطمة بنت الحسين تروي عن علي بن أبي طالب أنه قال: لأن أصوم يوماً من شعبان أفضل لي من أفطر يوماً من رمضان.
وهذا معناه أن يصام اليوم الثلاثين حتى ولو كان من شعبان، فصومه أفضل من أن يكون قد أفطر يوماً من رمضان؛ لأنه لو كان أول يوم من رمضان هو يوم الثلاثين فيعتبر قد صامه ولم يفته، فالأفضل لي أن أكون صائماً سواءً كان اليوم من رمضان أو من غير رمضان؛ حتى لا أفاجأ أني قد أكلت في يوم من رمضان.
ومما ذكروا من الأدلة على ذلك أن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه كان يتحرى صوم يوم الشك، وحين سألناهم: ما حجتكم في هذا الحديث؟ قالوا: من وجهين: أن ابن عمر صحابي، وفعل الصحابي أو قوله حجة إن لم يخالفه أحد، فما بالكم وقد وافقه أحد الخلفاء الراشدين الأربعة وهو علي بن أبي طالب، فكان ابن عمر يستحب ويتحرى يوم الشك فيصوم فيه.
الوجه الثاني: أن ابن عمر هو راوي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له) وتفسير الراوي يكون أصح التفاسير التي نأخذ بها، إذ القاعدة عند المحدثين تقول: الراوي أعلم بما روى، فنأخذ به.
وأما الدليل الثالث فقالوا: إن العبادة لا بد فيها من الاحتياط، فالعبد الذي يتحرى التعبد لله جل في علاه ويتحرى رضا الله جل في علاه لا بد أن يحتاط لعبادته، وأخذ الحيطة مستحب.
وهذا يخالف قولهم بالوجوب، وبعضهم قال: لا، يجب أن يحتاط لدينه فيصوم يوم الشك لأنه يجوز أن يكون من رمضان، وهذا على تفسير الحنابلة، وقد أنكر هذا القول عليهم شيخ الإسلام، فقال: الحنابلة لم يقولوا بالوجوب، وهذه الرواية التي نسبت ل أحمد لم تصح.
وكثير من المحققين في الحنابلة قالوا: نحن نقول بصيام يوم الشك، وهذا مذهب ابن عمر وعائشة وبعض الصحابة.