للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم من قال لفظي بالقرآن مخلوق]

أما مسألة اللفظ وهي قول: لفظي بالقرآن مخلوق فقد اختلف العلماء فيها على ثلاثة أقوال، وهذه المقولة مستحدثة، ولم تكن في عهد الصحابة ولا التابعين، فما كانت في عصر عمر ولا أبي بكر ولا عثمان ولا علي ولا التابعين، بل استحدثت هذه الكلمة في عصر تابعي التابعين، فهي كلمة مستحدثة، والمعاملة مع الكلمات المبهمة التي تحتمل حقاً وتحتمل باطلاً أن نتوقف فيها ونقول لقائلها: ماذا تقصد؟ فإن قصدت الحق قبلناه، وإن قصدت الباطل رددناه، إذاً: فلا نرد ولا نقبل مطلقاً.

ومثال ذلك: الحلف بالقرآن، فإن ابن عباس صلى خلف رجل يقول: اللهم رب القرآن اغفر لفلان، فقال: تعال ماذا تقصد برب القرآن؟ لأنها تحتمل حقاً وتحتمل باطلاً، فإن قوله: (رب القرآن) تحتمل أن تكون من باب إضافة الموصوف إلى الصفة، أو تحتمل أنها من إضافة الخالق للمخلوق، فقال: رب القرآن، أي: القرآن كلام الله، قال: نِعْمَ ما قلت.

إذاً: فالقاعدة أن الكلام المبهم الذي يحتمل حقاً ويحتمل باطلاً لا نرده ولا نقبله على الإطلاق، وقولك: لفظي بالقرآن مخلوق نتعامل معه أيضاً بهذه القاعدة فنقول: ماذا تقصد؟ فإن قصدت أن القرآن نفسه مخلوق، فهذا كفر، وإن قصدت أن لفظك أنت هو المخلوق فهذا حق، وقد اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: وهو قول جماعة من أهل السنة من الأكارم الأماجد كـ أحمد وأبي زرعة وأبي حاتم وغير هؤلاء، فهم يقولون من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فقد كفر.

ووجه ذلك أنه يقصد بها القرآن.

القول الثاني: طرفان ووسط، طرف كفر، والطرف الثاني توقف، ويسمون الواقفة، فقالوا: نقف ولا نقول: كافر ولا ليس بكافر، ولا نعرف عن ذلك شيئاً، وهؤلاء هم أفراخ الجهمية، وجهلهم كما قال أحمد: جهل بسيط وليس جهلاً مركباً.

وهناك فرق بين الجهل المركب والجهل البسيط، فالجهل البسيط: أن يعلم الإنسان أنه جاهل، فيقول: لا أدري، وأما الجهل المركب: فإنك تسأله فيفتي لك أشد ما يكون، ونحن نعلم أن الذي يفتي في كل مسألة فهو جاهل، ولا يعترف هو للناس أنه جاهل، بل يفتي للأنام.

فالإمام أحمد بن حنبل، كان يقول عن أفراخ الجهمية: إن جهلهم جهل بسيط؛ لأنهم يقولون: نقف، ونتوقف.

والإمام البخاري وإمام الأئمة ابن خزيمة يقولان: لا شيء في قولنا: لفظي بالقرآن مخلوق، وهذا القول هو الحق، ولكن نزيده تفصيلاً فنقول: إن قصد بلفظي بالقرآن أي: فعلي وكسبي وقراءتي التي أقرؤها مخلوقة فهذا حق، وإن قصد أن كلام الله وهو القرآن مخلوق فهذا كافر، وهذا يعضده الأثر والنظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>