إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: إخوتي الكرام! ما زلنا مع كتاب الصيام من عمدة الأحكام.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له)].
إن الشريعة الغراء السمحة الحنيفية جاءت تنيط الأحكام بما يسهل على الناس ولا يشق عليهم، قال الله جل في علاه:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة:٢٨٦] (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:٧]، ولذلك أناط الشرع الحنيف توقيت هذه العبادة بما يكون في متناول الجميع، فلم يشق عليهم ولم يكلفهم أمراً لا يستطيعونه، فأناط صيام رمضان أو ابتداء القيام بهذه العبادة برؤية الهلال بالعين المجردة، وكأن الشرع يقول لهم: لا أكلفكم ما لا تطيقون، فإني أكلفكم أن تبتدءوا صيام رمضان إذا رأيتم الهلال بالعين المجردة، أو رآه أحدكم فأخبركم أنه رآه بالعين المجردة، وإن لم تروا الهلال فلا تتعبوا أنفسكم، ولا تشقوا على أنفسكم، ولا تأتوا بالمنظار، ولا تأتوا بالحسابات الفلكية، ولا تأتوا بالتقديم ولا بالتأخير ولا بغير ذلك، بل أتموا شهر شعبان ثلاثين ثم ابدءوا صوم رمضان وأنا أقبل منكم.
فهذه دلالة على سماحة الشريعة الغراء، ولذلك سنبين في الفوائد المستنبطة أن من سماحة الشريعة ومن القواعد التي تستقى من هذا الحديث العظيم: أن اليقين لا يزول بالشك، أو الأصل بقاء ما كان على ما كان.